وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: وقد قُطع السارق في الجاهلية، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد بن المغيرة، فأمر الله بقطعه في الإسلام. فكان أول سارق قطعه رسول الله ﷺ في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف. ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم. وقطع أبو بكر يد اليمني الذي سرق العقد. وقطع عمر يد ابن سمرة أخي عبد الرحمن بن سمرة اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه: ما ذكره القرطبي رحمه الله من أن المخزومية التي سرقت فقطع النَّبي ﷺ يدها أولاً هي مرة بنت سفيان خلاف التحقيق. والتحقيق أنها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل، الذي كان زوج أم سلمة قبل النَّبي صلى الله عليه وسلم. قتل أبوها كافراً يوم بدر، قتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وقطع النَّبي ﷺ يدها وقع في غزوة الفتح. وأما سرقة أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد ابنة عم المذكورة، وقطع النَّبي ﷺ يدها ففي حجة الوداع، بعد قصة الأولى بأكثر من سنتين.
فإن قيل: أخرج الشيخان في صحيحهما، وأصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النَّبي ﷺ قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. وفي لفظ بعضهم "قيمته ثلاثة دراهم". وأخرج الشيخان في صحيحهما، وأصحاب السنن غير ابن ماجه وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: كان يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً والأحاديث بمثل هذا كثيرة جداً، مع أنه عرف من الشرع أن اليد فيها نصف الدية، ودية الذهب ألف دينار. فتكون دية اليد خمسمائة دينار. فكيف تؤخذ في مقابلة ربع دينار؟ وما وجه العدالة والإنصاف في ذلك.
فالجواب: أن هذا النوع من اعتراضات الملحدين الذين لايؤمنون بالله ورسوله، هو الذي نظمه المعري بقوله:

يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
وللعلماء عنه أجوبة كثيرة نظماً ونثراً. منها قول القاضي عبد الوهاب مجيباً له في بحره ورويه:
عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة، فافهم حكمة الباري
وقال بعضهم: لما خانت هانت. ومن الواضح: أن تلك اليد الخسيسة الخائنة لما


الصفحة التالية
Icon