الأول: أن المراد بالحق ضد الباطل بمعنى الصدق والثبوت. كقوله: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ لْحَقُّ﴾، وعلى هذا القول فاعراب قوله: ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾، على قراءة النصب أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كما تقدم. وعلى قراءة الرفع فهو خبر مبتدأ محذوف كما تقدم. ويدل لهذا الوجه قوله: تعالى في «آل عمران» في القصة بعينها: ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِن الْمُمْتَرِينَ﴾ [٣/٦٠].
الوجه الثاني ـ أن المراد بالحق في الآية الله جل وعلا. لأن من أسمائه «الحق» كقوله: ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [٢٤/٢٥]، وقوله: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ الآية[٢٢/٦٢]، وعلى هذا القول فإعراب قوله تعالى: ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ [١٩/٣٤]، على قراءة النصب أنه منصوب على المدح. وعلى قراءة الرفع فهو بدل من ﴿عيسى﴾ أو خبر، وعلى هذا الوجه فـ ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾، هو «عيسى» كما سماء الله كلمة في قوله: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [٤/١٧١]، وقوله: ﴿نَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ﴾ الآية[٣/٤٥]، وإنما سمى ﴿عيسى﴾ كلمة لأن الله أوجده بكلمته التي هي «كن» فكان. كما قال: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن﴾ [٣/٥٩]، والقول والكلمة على هذا الوجه من التفسير بمعنى واحد.
وقوله: ﴿الَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ﴾ أي يشكون. فالامتراء افتعال من المرية وهي الشك. وهذا الشك الذي وقع للكفار نهى الله عنه المسلمين على لسان نبيهم في قوله: تعالى ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِن الْمُمْتَرِينَ﴾ [٣/٥٩-٦٠]، وهذا القول الحق الذي أوضح الله به حقيقة الأمر في شأن عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بعد نزوله على نبينا ﷺ ـ أمره ربه أن يدعو من حاجه في شأن عيسى إلى المباهلة. ثم أخبره أن ما قص عليه من خبر عيسى هو القصص الحق، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [٣/٦١-٦٢]، ولما نزلت ودعا للنبي ﷺ وفد نجران إلى المباهلة خافوا الهلاك وأدوا كما هو مشهور.
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.