قلت: علام عطف ﴿وَاهْجُرْنِى﴾ قلت: على معطوف عليه محذوف يدل عليه ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾، أي: فاحذرني واهجرني؛ لأن ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ تهديد وتقريع طا هـ.
قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً﴾.
اعلم أن في قوله: ﴿مُخْلَصاًً﴾ [١٩/٥١]، قراءتين سبعيتين: قرأه عاصم وحمزة والكسائي بفتح اللام بصيغة اسم المفعول، والمعنى على هذه القراءة أن الله استخلصه واصطفاه: ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي...﴾ الآية[٧/١٤٤]، ومما يماثل هذه القراءة في القرآن قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ [٣٨/٤٦]، فالذين أخلصهم الله هم المخلصون بفتح اللام، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: ﴿مخلصاً﴾ بكسر اللام بصيغة اسم الفاعل. كقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [٩٨/٥]، وقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى...﴾ الآية[٣٩/١٤].
قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: يقول تعالى ذكره: ونادينا موسى من ناحية الجبل. ويعني بالأيمن يمين موسى. لأن الجبل لا يمين له ولا شمال، وإنما ذلك كما يقال: قام عن يمين القبلة وعن شمالها، وهذه القصة جاءت مبينة في مواضع متعددة من كتاب الله تعالى. وذلك أن موسى لما قضى الأجل الذي بينه وبين صهره، وسار بأهله راجعاً من مدين إلى مصر آنس من جانب الطور ناراً، فذهب إلى تلك النار ليجد عندها من يدله على الطريق، وليأتي بجذوة منها ليوقد بها النار لأهله ليصطلوا بها. فناداه الله وأرسله إلى فرعون، وشفعه في أخيه هارون فأرسله معه، وأراه في ذلك الوقت معجزة العصا واليد ليستأنس بذلك قبل حضوره عند فرعون. لأنه لما رأى العصا في المرة الأولى صارت ثعباناً ولى مدبراً ولم يعقب. فلو فعل ذلك عندما انقلبت ثعباناً لما طالبه فرعون وقومه بآية لكان غير ذلك لائق، ولأجل هذا مرن عليها في أول مرة ليكون مستأنساً غير خائف منها حين تصير ثعباناً مبيناً قال تعالى في سورة «طه»: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ