وقوله تعالى: ﴿مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ [٢٨/٣٠]، قال الزمخشري في الكشاف: ﴿من﴾ الأولى والثانية لابتداء الغاية. أي أتاه النداء من شاطىء الوادي من قبل الشجرة و ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ بدل من قوله: ﴿مِن شَاطِىءِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾، بدل اشتمال؛ لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطىء؛ كقوله: ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ﴾ [٤٣/٣٣].
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿نُودِىَ مِن شَاطِىءِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ : قال المهدوي: وكلم الله تعالى موسى عليه السلام من فوق عرشه، وأسمعه كلامه من الشجرة على ما شاء ـ انتهى منه. وشاطىء الوادي جانبه. وقال بعض أهل العلم: معنى ﴿الْأَيْمَنِ﴾ في قوله: ﴿مِن شَاطِىءِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾. وقوله: ﴿نَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ [١٩/٥٢]، من اليمن وهو البركة. لأن تلك البلاد بارك الله فيها. وأكثر أهل العلم على أن النار التي رآها موسى «نور» وهو يظنها ناراً. وفي قصته أنه رأى النار تشتعل فيها وهي لا تزداد إلا خضرة وحسناً. قيل هي شجرة عوسج. وقيل شجرة عليق. وقيل شجرة عناب. وقيل سمرة. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى في سورة «النمل»: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [٢٧/٨]، اختلفت عبارات المفسرين في المراد بـ ﴿مَن فِى النَّارِ﴾، في هذه الآية في سورة «النمل» فقال بعضهم:
هو الله جل وعلا، وممن روي عنه هذا القول: ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب قالوا: ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾، أي: تقدس الله وتعالى. وقالوا: كان نور رب العالمين في الشجرة. واستدل من قال بهذا القول بحديث أبي موسى الثابت في الصحيح: أن النَّبي ﷺ قال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل. حجا به النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
قال مقيده عفا الله عنه: وهذا القول بعيد من ظاهر القرآن. ولا ينبغي أن يطلق على الله أنه في النار التي في الشجرة، سواء قلنا: إنها نار أو نور، سبحانه جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله! وتأويل ذلك بـ ﴿مَن فِى النَّارِ﴾، سلطانه وقدرته لا يصح؛ لأن صرف كتاب الله عن ظاهره المتبادر منه لا يجوز إلا بدليل يجب الرجوع