أقوال أخر.
قال مقيده عفا الله عنه: وكونهم من أمة محمد ﷺ ليس بوجيه عندي. لأن قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ [١٩/٥٩]، صيغة تدل على الوقوع في الزمن الماضي، ولا يمكن صرفها إلى المستقبل إلا بدليل يجب الرجوع إليه كما ترى. والظاهر أنهم اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين خلفوا أنبياءهم وصالحيهم قبل نزول الآية، فأضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وعلى كل حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات يدخلون في الذم والوعيد المذكور في هذه الآية، واتباع الشهوات المذكور في الآية عام في اتباع كل مشتهى يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن علي رضي الله عنه: من بني المشيد، وركب المنظور، ولبس المشهور، فهو ممن اتبع الشهوات.
وقوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً﴾، اعلم أولاً أن العرب تطلق الغي على كل شر. والرشاد على كل خير. قال المرقش الأصغر:

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
فقوله: «ومن يغو» يعني ومن يقع في شر. والإطلاق المشهور هو أن الغي الضلال. وفي المراد بقوله: ﴿غيا﴾ في الآية أقوال متقاربة، منها: أن الكلام على حذف مضاف، أي فسوف يلقون جزاء غي، ولا شك أنهم سيلقون جزاء ضلالهم. وممن قال بهذا القول: الزجاج. ونظير هذا التفسير قوله تعالى: ﴿يَلْقَ أَثَاماً﴾ [٢٥/٦٨]، عند من يقول إن معناه يلق مجازاة أثامه في الدنيا، ويشبه هذا المعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ [٤/١٠]، وقوله: ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ [٢/١٧٤]، فأطلق النار على ما أكلوا في بطونهم في الدنيا من المال الحرام لأنها جزاؤه. كما أطلق الي والأثام على العذاب لأنه جزاؤهما. ومنها: أن الغي في الآية الخسران والحصول في الورطات. وممن روى عنه هذا القول: ابن عباس، وابن زيد. وروي عن ابن زيد أيضاً ﴿غيا﴾ أي شراً أو ضلالاً أو خيبة. وقال بعضهم: إن المراد بقوله: ﴿غيا﴾ في الآية: واد في جهنم من قيح، لأنه يسيل فيه قيح أهل النار وصديدهم، وهو بعيد القعر خبيث الطعم. وممن قال بهذا ابن مسعود، والبراء بن عازب. وروي عن عائشة، وشفي بن ماتع.


الصفحة التالية
Icon