إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [٣٥/٤٣].
ومن أمثلته في كلام العرب قول امرىء القيس:

كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل
لأن المقاناة هي البكر بعينها، وقول عنترة في معلقته:
ومشك سابغة هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
لأن مراده بالمشك: السابغة بعينها. بدليل قوله: هتكت فروجها. لأن الضمير عائد إلى السابغة التي عبر عنها بالمشك.
وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" في سورة فاطر. وبينا أن الذي يظهر لنا: أن إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف لفظ المضاف والمضاف إليه أسلوب من أساليب اللغة العربية. لأن تغاير اللفظين ربما نزل منزلة التغاير المعنوي. لكثرة الإضافة المذكورة في القرآن وفي كلام العرب. وجزم بذلك ابن جرير في بعض مواضعه في القرآن. وعليه فلا حاجة إلى التأويل المشار إليه بقوله في الخلاصة:
ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهماً إذا ورد
ومما يدل على ضعف التأويل المذكور قوله:
وإن يكونا مفردين فأضف حتما وإلا أتبع الذي ردف
لأن إيجاب إضافة العلم إلى اللقب مع اتحادهما في المعنى إن كانا مفردين المستلزم للتأويل، ومنع الإتباع الذي لا يحتاج إلى تأويل، دليل على أن ذلك من أساليب اللغة العربية، ولو لم يكن من أساليبها لوجب تقديم ما لا يحتاج إلى تأويل على المحتاج إلى تأويل كما ترى. وعلى هذا الوجه من التفسير، فالمعنى: فمحونا الآية التي هي الليل، وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة. أي جعلنا الليل مَمْحُو الضوء مطموسه، مظلماً لا تستبان فيه الأشياء كما لا يستبان ما في اللوح الممحو. وجعلنا النهار مبصراً. أي تبصر فيه الأشياء وتستبان.
وقوله في هذه الآية الكريمة: ﴿وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ [١٧/١٢]، تقدم إيضاحه، والآيات الدالة عليه في سورة «النحل» في الكلام على قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا


الصفحة التالية
Icon