﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ الآية [١٤/٢١]، وقوله: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ﴾ [٤٠/٤٧]، إلى غير ذلك من الآيات.
الوجه الثاني ـ أن بعضهم إن عصى الله وبغى وطغى ولم ينههم الآخرون فإن الهلاك يعم الجميع. كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ [٨/٢٥]، وفي الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنها لما سمعت النَّبي ﷺ يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقتربْ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل، هذه" ـ وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها قالت له: يا رسول الله، أنهلك وفيناالصالحون؟ قال:"نعم، إذا كثر الخبث" وقد قدمنا هذا المبحث موضحاً في سورة المائدة.
قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا﴾. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أهلك كثيراً من القرون من بعد نوح. لأن لفظة ﴿كَمْ﴾ في قوله ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا﴾ [٧/١٧]، خبرية، معناها الإخبار بعدد كثير. وأنه جل وعلا خبير بصير بذنوب عباده. وأكد ذلك بقوله ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ﴾ الآية[٧/١٧].
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة أوضحته آيات أخر من أربع جهات:
الأولى: أن في الآية تهديداً لكفار مكة، وتخويفاً لهم من أن ينزل بهم ما نزل بغيرهم من الأمم التي كذبت رسلها. أي أهلكنا قروناً كثيرة من بعد نوح بسبب تكذيبهم الرسل، فلا تكذبوا رسولنا لئلا نفعل بكم مثل ما فعلنا بهم.
والآيات التي أوضحت هذا المعنى كثيرة؛ كقوله في قوم لوط: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [٣٧/١٣٧-١٣٨]، وكقوله فيهم أيضاً: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾ [١٥/٧٦، ٧٥]، وقوله فيهم أيضاً: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [٢٩/٣٥]، وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [٤٧/١٠]، وقوله بعد ذكره جل وعلا إهلاكه لقوم نوح، وقوم هود، وقوم


الصفحة التالية
Icon