ويدل على هذا قوله: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [٤/١٦٣]، وفي أحاديث الشفاعة الثابتة في الصحاح وغيرها أنهم يقولون لنوح: إنه أول رسول بعثه الله لأهل الأرض كما قدمنا ذلك في سورة البقرة.
الجهة الرابعة: أن قوله ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا﴾ [١٧/١٧]، فيه أعظم زجر عن ارتكاب ما لا يرضي الله تعالى.
والآيات الموضحة لذلك كثيرة جداً. كقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [٥٠/١٩]، وقوله: ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [٢/٢٣٥]، إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا هذا المبحث موضحاً في أول سورة هود. ولفظة «كم» في هذه الآية الكريمة في محل نصب مفعول به «لأهلكنا» و ﴿مِنْ﴾ في قوله ﴿مّنَ الْقُرُونِ﴾ بيان لقوله ﴿كَمْ﴾ وتمييز له كما يميز العدد بالجنس. وأما لفظه «من» في قوله ﴿مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾ فالظاهر أنها لابتداء الغاية، وهو الذي اختاره أبو حيان في «البحر». وزعم الحوفي أن «من» الثانية بدل من الأولى، ورده عليه أبو حيان. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ [١٧/١٩]، أي: عمل لها عملها الذي تنال به، وهو امتثال أمر الله، واجتباب نهيه بإخلاص على الوجه المشروع ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [١٧/١٩]، أي: موحد لله جل وعلا، غير مشرك به ولا كافر به، فإن الله يشكر سعيه، بأن يثيبه الثواب الجزيل عن عمله القليل.
وفي الآية الدليل على أن الأعمال الصالحة لا تنفع إلا مع الإيمان بالله.
لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة، لأنه شرط في ذلك قوله ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [١٧/١٩].
وقد أوضح تعالى هذا في آيات كثيرة. كقوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ


الصفحة التالية
Icon