وسبب هذا المثل: أنه زار حارثة بن لأم الطائي فوجده غائباً. فأنزلته أخته وأكرمته، وكانت جميلة. فأعجبه جمالها، فقال مخاطباً لأخرى غيرها ليسمعها هي:

يا أخت خير البدو والحضارة كيف ترين في فتى فزاره
أصبح يهوى حرة معطاره إياك أعني واسمعي يا جاره
ففهمت المرأة مراده، وأجابته بقولها:
إني أقول يا فتى فزاره لا أبتغي الزوج ولا الدعاره
ولا فراق أهل هذي الحاره فارحل إلى أهلك باستحاره
والظاهر أن قولها «باستحارة» أن أصله استفعال من المحاورة بمعنى رجع الكلام بينهما ـ أي ارحل إلى أهلك بالمحاورة التي وقعت بيني وبينك، وهي كلامك وجوابي له، ولا تحصل مني على غير ذلك والهاء في «الاستحارة» عوض من العين الساقطة بالإعلال. كما هو معروف في فن الصرف.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الخطاب في قوله: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾، ونحو ذلك من الآيات؛ متوجه إلى المكلف. ومن أساليب اللغة العربية: إفراد الخطاب مع قصد التعميم. كقول طرفة بن العبد في معلقته:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقال الفراء، والكسائي، والزمخشري: ومعنى قوله ﴿فَتَقْعُدَ﴾ [١٧/٢٢]، أي: تصير. وجعل الفراء منه قول الراجز:
لا يقنع الجارية الخضاب ولا الوشاحان ولا الجلباب
من دون أن تلتقي الأركاب ويقعد الأير له لعاب
أي يصير له لعاب.
وحكى الكسائي: قعد لا يسأل حاجة إلا قضاها. بمعنى صار. قاله أبو حيان في البحر.
ثم قال أيضاً: والقعود هنا عبارة عن المكث، أي فتمكث في الناس مذموماً مخذولاً. كما تقول لمن سأل عن حال شخص: هو قاعد في أسوإ حال. ومعناه ماكث ومقيم. سواء كان قائماً أم جالساً. وقد يراد القعود حقيقة. لأن من شأن المذموم


الصفحة التالية
Icon