الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}، وقوله هنا: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾، إلى غير ذلك من الآيات. وجملة ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾. قيل بدل من "النجوى". أي أسروا النجوى التي هي هذا الحديث الخفي الذي هو قولهم: هل هذا إلا بشر مثلكم. وصدر به الزمخشري، وقيل: مفعول به للنجوى. لأنها بمعنى القول الخفي. أي قالوا في خفية: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾. وقيل: معمول قول محذوف. أي قالوا هل هذا إلا بشر مثلكم. وهو أظهرها. لأطراد حذف القول مع بقاء مقوله. وفي قوله: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أوجه كثيرة من الإعراب معروفة، وأظهرها عندي: أنها بدل من الواو في أوله: ﴿وَأَسَرُّوا﴾ بدل بعض من كل، وقد تقرر في الأصول: أن بدل البعض من الكل من المخصصات المتصلة، كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾. فقوله ﴿مَنِ﴾ بدل من "الناس" : بدل بعض من كل، وهي مخصصه لوجوب الحج بأنه لا يجب إلاَّ على من استطاع إليه سبيلاً. كما قدّمنا هذا في سورة "المائدة".
قوله تعالى: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾.
إعراب هذه الجملة جار مجرى اعراب الجملة التي قبلها، التي هي ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾، والمعنى: أنهم زعموا أن ما جاء به نبيّنا ﷺ سحر، وبناء على ذلك الزعم الباطل أنكروا على أنفسهم إتيان السحر وهم يبصرون. يعنون بذلك تصديق النَّبي صلى الله عليه وسلم، أي: لا يمكن أن نصدقك ونتبعك، ونحن نبصر أن ما جئت به سحر. وقد بيّن جلّ وعلا في غير هذا الموضع أنهم ادعوا أن ما جاء به ﷺ سحر، كقوله عن بعضهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾، وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾. وقد ردّ الله عليهم دعواهم أن القرآن سحر بقوله هنا: ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يعني أن الذي يعلم القول في السماء والأرض الذي هو السميع العليم، المحيط علمه بكل شيء، هو الذي أنزل هذا القرآن العظيم، وكون من أنزله هو العالم بكل شيء يدّل على كمال صدقه في الأخبار وعدله في الأحكام، وسلامته من جميع العيوب والنقائص، وأنه ليس بسحر. وقد أوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع: كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وقوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ