المعنى: وتختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، ومما يجب فيه الشكر من النعم، وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر، وقوله ﴿فِتْنَةً﴾ مصدر مؤكد لـ ﴿وَنَبْلُوكُمْ﴾ من غير لفظه.
وما ذكره جل وعلا: من أنه يبتلي خلقه أي يختبرهم بالشر والخير قد بينه في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآيات الكريمة: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ﴾ يدل على أن بلا يبلو تستعمل في الاختبار بالنِّعم، وبالمصائب والبلايا. وقال بعض العلماء: أكثر ما يستعمل في الشرِّ بلا يبلو، وفي الخير أبلى يبلي. وقد جمع اللغتين في الخير قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم | وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو |
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار إذا رأوا النَّبي ﷺ ما يتخذونه إلا هزواً، أي مُستهزأً به مستخفاً به. والهزؤ: السخرية، فهو مصدر وصف به. ويقولون: أهذا الذي يذكر آلهتكم أي يعيبها وينفي أنها تشفع لكم وتقربكم إلى الله زلفى،