في سورة "البقرة"، وأشرنا إليه في سورة "إبراهيم" وسورة "يوسف". ومعنى الآية الكريمة: لو يعلم الكفار الوقت الذي يسألون عنه بقولهم: متى هذا الوعد؟ وهو وقت صعب شديد، تحيط بهم فيه النار من وراء وقدام. فلا يقدرون على منعها ودفعها عن أنفسهم، ولا يجدون ناصراً ينصرهم، لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال، ولكن جهلهم بذلك هو الذي هونه عليهم. وما تضمنته هذه الآية الكريمة من المعاني جاء مبيناً في مواضع أخر من كتاب الله تعالى.
أما إحاطة النار بهم في ذلك اليوم، فقد جاءت موضحة في آيات متعددة، كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾، وقوله تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾، وقوله تعالى: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾. وقوله تعالى: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات. نرجو الله الكريم العظيم أن يعيذنا منها ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل، إنه قريب مجيب. وما تضمنته من كونهم في ذلك اليوم ليس لهم ناصر ولا قوة يدفعون بها عن أنفسهم: جاء مبيناً في مواضع أخر.
كقوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ والآيات في ذلك كثيرة.
وما أشارت إليه هذه الآية من أن الذي هون عليهم ذلك اليوم العظيم حتى استعجلوه واستهزءوا بمن يخوفهم منه إنما هو جهلهم به: جاء مبيناً أيضاً في مواضع أخر. كقوله تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿لَوْ يَعْلَمُ﴾ قال بعض أهل العلم: هو فعل متعد، والظاهر أنها عرفانية، فهي تتعدى إلى مفعول واحد. كما أشار له في الخلاصة بقوله:
لعلم عرفان وظن تهمه... تعدية لواحد ملتزمه