ذلك، قلنا: يا نار كوني بردا وسلاما. وقد بين في "الصافات" أنهم لما أرادوا أن يلقوه في النار بنوا له بنياناً ليلقوه فيه.
وفي القصة: أنهم ألقوه من ذلك البنيان العالي بالمنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس "يعنون الأكراد"، وأن الله خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾. والمفسرون يذكرون من شدة هذه النار وارتفاع لهبها، وكثرة حطبها شيئاً عظيماً هائلاً. وذكروا عن نبي الله إبراهيم أنهم لما كتفوه مجرداً ورموه إلى النار، قال له جبريل: هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، وأما الله فنعم؟ قال: لم لا تسأله؟ قال: علمه بحالي كاف عن سؤالي.
وما ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه أمر النار بأمره الكوني القدري أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم: يدل على أنه أنجاه من تلك النار. لأن قوله تعالى: ﴿كُونِي بَرْداً﴾ يدل على سلامته من حرِّها. وقوله: ﴿وَسَلاماً﴾. يدل على سلامته من شرِّ بردها الذي انقلبت الحرارة إليه. وانجاؤه إياه منها الذي دل عليه أمره الكوني القدري هنا جاء مصرحاً به في "العنكبوت" في قوله تعالى: ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ وأشار إلى ذلك هنا بقوله: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً﴾.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ يوضحه ما قبله. فالكيد الذي أرادوه به إحراقه بالنار نصراً منهم لآلهتهم في زعمهم، وجعله تعالى إياهم الأخسرين. أي الذين هم أكثر خسراناً لبطلان كيدهم وسلامته من نارهم.
وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضاً في سورة "الصافات" في قوله: ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ وكونهم الأسفلين واضح لعلوه عليهم وسلامته من شرهم. وكونهم الأخسرين لأنهم خسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. وفي القصة: أن الله سلط عليهم خلقاً من أضعف خلقه فأهلكهم وهو البعوض. وفيها أيضاً: أن كل الدواب تطفىء عن إبراهيم النار، إلا الوزغ فإنه ينفخ النار عليه.
وقد قدمنا الأحاديث الواردة بالأمر بقتل الأوزاغ في سورة "الأنعام" وعن أبي العالية: لو لم يقل الله ﴿وَسَلاماً﴾ لكان بردها أشد عليه من حرها. ولو لم يقل على "إبْرَاهِيمَ" لكان بردها باقياً إلى الأبد. وعن علي وابن عباس رضي الله


الصفحة التالية
Icon