فالرواية المذكورة من طريق عبادة بن نسي عن ابن غنم عن معاذ فيها كذاب وهو محمد بن سعيد المذكور الذي قتله أبو جعفر المنصور في الزندقة وصلبه. وقال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث. فإذا علمت بهذا انحصار طرق الحديث المذكور الذي فيه أن معاذاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه إن لم يجد المسألة في كتاب الله ولا سنة رسول الله ﷺ اجتهد فيها رأيه. وأقره للنبي ﷺ على ذلك في الطريقتين المذكورتين ـ علمت وجه تضعيف الحديث ممن ضعفه، وأنه يقول طريق عبادة بن نسي عن ابن غنم لم تسندوها ثابتة من وجه صحيح إليه. والطريق الأخرى التي في المسند والسنن فيها الحارث بن أخي المغيرة وهو مجهول، والرواة فيها أيضاً عن معاذ مجاهيل. فمن أين قلتم بصحتها؟ وقد قدمنا أن ابن كثير رحمه الله قال في مقدمة تفسيره: إن الطريقة المذكورة في المسند والسنن بإسناد جيد. وقلنا: لعله يرى أن الحارث المذكور ثقة، وقد وثقه ابن حبان، وأن أصحاب معاذ لا يعرف فيهم كذاب ولا متهم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ويؤيد ما ذكرنا عن مراد ابن كثير بجودة الإسناد المذكور ما قاله العلامة ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين"، قال فيه: وقد أقر النَّبي ﷺ معاذاً على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصاً عن الله ورسوله، فقال شعبة: حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو، عن أناس من أصحاب معاذ: أن رسوله ﷺ لما بعثه إلى اليمن قال: "كيف تصنع إن عرض لك قضاء"؟ قال: أقضى بما في كتاب الله. قال: "فإن لم يكن في كتاب الله"؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟ قال: أجتهد رأي، لا آلو. فضرب رسول الله ﷺ صدري ثم قال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ﷺ لما يرضى رسول الله". فهذا حديث إن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك. لأنه يدل على شهرة الحديث. وأن الذي حدث له الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم ولو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى، ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب، ولا مجروح. بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، ولا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث؟؟ وقال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به. قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل