تراب كما أوضحنا آنفاً، فالتراب هو الطور الأول.
والطور الثاني هو النطفة، والنطفة في اللغة: الماء القليل، ومنه قول الشاعر وهو رجل من بني كلاب:

وما عليكِ إذا أخبرتني دنفا وغاب بعْلكِ يوماً أن تَعودِيني
وتجعلي نطفةً في القعْب باردة وتغمسي فاكِ فيها ثم تسقيني
فقوله: وتجعلي نطفة: أي ماء قليلاً في العقب، والمراد بالنطفة في هذه الآية الكريمة: نطفة المني، وقد قدمنا في سورة النحل: أن النطفة مختلطة من ماء الرجل، وماء المرأة، خلافاً لمن زعم: أنها من ماء الرجل وحده.
الطور الثالث: العلقة: وهي القطعة من العلق، وهو الدم الجامد فقوله ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ أَي قطعة دم جامدة، ومن إطلاق العلق على الدم المذكور قول زهير:
إليك أعملتها فتلا مرافقها شهرين يجْهُض من أرحامها العَلَق
الطور الرابع: المضغة: وهي القطعة الصغيرة من اللحم، على قدر ما يمضغه الآكل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله" الحديث.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ في معناه أوجه معروفة عند العلماء، سنذكرها هنا إن شاءَ الله، ونبين ما يقتضي الدليل رجحانه.
منها أن قوله ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ صفة للنطفة وأن المخلقة: هي ما كان خلقاً سوياً، وغير المخلقة: هي ما دفعته الأرحام من النطف، وألقته قبل أن يكون خلقاً، وممن روي عنه هذا القول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نقله عنه ابن جرير وغيره، ولا يخفى بعد هذا القول، لأن المخلقة وغير المخلقة من صفة المضغة، كما هو ظاهر.
ومنها: أن معنى مخلقة: تامة، وغير مخلقة: أي غير تامة، والمراد بهذا القول عند قائله: أن الله جل وعلا يخلق المضغ متفاوتة، منها: ما هو كامل الخلقة، سالم من العيوب، ومنها: ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس، في خلقهم، وصورهم، وطولهم. وقصرهم، وتمامهم، ونقصانهم. وممن روى عنه هذا القول: قتادة كما نقله عنه ابن جرير وغيره، وعزاه الرازي لقتادة والضحاك. ومنها: أن معنى مخلقة مصورة إنساناً، وغير مخلقة: أي غير مصورة إنساناً كالسقط الذي هو مضغة، ولم يجعل له تخطيط وتشكيل، وممن نقل عنه هذا القول، مجاهد، والشعبي، وأبو العالية كما نقله


الصفحة التالية
Icon