عمر في ذلك الوقت يتكلم ويعهد.
والذين خالفوا هؤلاء قالوا: لا نسلم ذلك فكل حركة قوية تدل على الحياة، وعمر ما دام قادراً على الحركة القوية الدالة على الحياة، فهو حي تجري عليه أحكام الحياة.
والذين قالوا: يغسل إن سقط بعد أربعة أشهر، استندوا في ذلك إلى حديث ابن مسعود المتفق عليه الذي قدمناه في هذا المبحث نحو ما ساقه البخاري ومسلم، فإنه يدل على أنه بعد الأربعين الثالثة. ينفخ فيه الروح، وانتهاء الأربعين الثالثة: هو انتهاء أربعة أشهر، فقد دل الحديث على نفخ الروح فيه بعد انتهاء الأشهر الأربعة، ونفخ الروح فيه في ذلك الحين مشعر بأنه مات بعد حياة والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾.
هذا برهان قاطع آخر على البعث: وقوله ﴿وَتَرَى﴾ أي يا نبي الله. وقيل: وترى أيها الإنسان المخاطب: وهي رؤية بصرية تتعدى إلى مفعول واحد. فقوله ﴿هَامِدَةً﴾ حال من الأرض، لا مفعول ثان لترى. وقوله: هامدة أي يابسة قاحلة لا نبات فيها.
وقال بعض أهل العلم، هامدة: أي دارسة الآثار من النبات، والزرع. قالوا: وأصل الهمود الدروس والدثور. ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس:

قالت قتيلةُ ما لجسْمك شاحِبا وأرى ثيابك باليات هُمدا
أَي وأرى ثيابك باليات دارسات ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ﴾ أي سواء كان من المطر، أو الأنهار أو العيون أو السواني: ﴿اهْتَزَّتْ﴾ : أي تحركت بالنبات. ولما كان النبات نابتاً فيها متصلاً بها، كان اهتزازه كأنه اهتزازها فأطلق عليها بهذا الاعتبار، أنها اهتزت بالنبات. وهذا أسلوب عربي معروف.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: واهتزازها تخلخلها واضطراب بعض أجسامها لأجل خروج النبات، وقوله: ﴿وَرَبَتْ﴾ أي زادت وارتفعت: وقال بعض أهل العلم: وربت: انتفخت، لأجل خروج النبات، وقال ابن جرير الطبري: وربت: أي أضعفت النبات بمجيء الغيث.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أصل المادة التي منها ربت: الزيادة، والظاهر


الصفحة التالية
Icon