لأنه لا يستطيع الارتقاء إلى السماء ومنع نزول النصر منها عليه صلى الله عليه وسلم: وعلى هذا القول: فصيغة الأمر في قوله ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ وقوله ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ للتعجيز ﴿فَلْيَنْظُرْ﴾ ذلك الحاسد العاجز عن قطع النصر عنه صلى الله عليه وسلم: هل يذهب كيده إذا بلغ غاية جهده في كيد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: أنه إن أعمل كل ما في وسعه، من كيد النَّبي ﷺ ليمنع عنه نصر الله، فإنه لا يقدر على ذلك، ولا يذهب كيده ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
ومما يشهد لهذا القول من القرآن قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ وقد أوضحنا معنى هذه الآية في سورة الحجر.
ولبعض أهل العلم قول ثالث في معنى الآية الكريمة: وهو أن الضمير في ﴿لَنْ يَنْصُرَهُ﴾ عائد إلى من في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ﴾ وأن النصر هنا بمعنى الرزق، وأن المعنى: من كان يظن أن لن ينصره الله أي لن يرزقه، فليختنق، وليقتل نفسه، إذ لا خير في حياة ليس فيها رزق الله وعونه، أو فليختنق، وليمت غيظاً وغماً، فإن ذلك لا يغير شيئاً مما قضاه الله وقدره، والذين قالوا هذا القول قالوا: إن العرب تسمي الرزق نصراً، وعن أبي عبيدة قال: وقف علينا سائل من بني بكر، فقال: من ينصرني نصره الله، يعني: من يعطيني أعطاه الله، قالوا: ومن ذلك قول العرب: أرض منصورة: أي ممطورة، ومنه قول رجل من بني فقعس:

وإنك لا تُعطي امرأً فوق حقِّه ولا تملك الشّق الذي ألغيتَ ناصره
أي معطيه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وهذا القول الأخير ظاهر السقوط، كما ترى، والذين قالوا: إن الضمير في قوله ﴿أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ﴾ راجع إلى الدين، أو الكتاب، لا يخالف قولهم قول من قال: إن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن نصر الدين، والكتاب هو نصره ﷺ كما لا يخفى، ونصر الله له ﷺ في الدنيا، بإعلائه كلمته، وقهره أعداءه، وإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء درجته، والانتقام ممن كذبه، ونحو ذلك كما قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ فإن قيل: قررتم أن الضمير في ينصره، عائد إليه صلى الله عليه وسلم، وهو لم يجر له ذكر، فكيف قررتم رجوع


الصفحة التالية
Icon