الآية. وهذا هو الذي قدمنا أنه ظاهر السقوط، وهو كما ترى، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية من أن من أعمال الكفار الصد عن سبيل الله، وعن المسجد الحرام بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾. وقوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ إلى غير ذلك من الآيات، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ﴿سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ قرأه عامة السبعة غير حفص عن عاصم: سواء، بضم الهمزة، وفي إعرابه على قراءة الجمهور هذه برفع سواء وجهان.
الأول: أن قوله: العاكف: مبتدأ، والباد: معطوف عليه، وسواء خبر مقدم، وهو مصدر أطلق وأريد به الوصف.
فالمعنى: العاكف والبادي سواء، أي مستويان فيه، وهذا الإعراب أظهر الوجه.
الثاني: أن سواء مبتدأ والعاكف فاعل سد مسد الخبر، والظاهر أن مسوغ الابتداء بالنكرة التي هي سواء، على هذا الوجه: هو عملها في المجرور الذي هو فيه، إذ المعنى: سواء فيه العاكف والبادي، وجملة المبتدأ وخبره في محل المفعول الثاني: لجعلنا، وقرأ حفص عن عاصم: سواء بالنصب، وهو المفعول الثاني: لجعلنا التي بمعنى صيرنا. والعاكف فاعل سواء: أي مستوياً فيه العاكف والبادي، ومن كلام العرب: مررت برجل سواء هو والعدم، ومن قال: إن "جعل" في الآية تتعدى إلى مفعول واحد قال: إن سواء حال من الهاء في جعلناه: أي وضعناه للناس في حال كونه سواء العاكف فيه والبادي كقوله ﴿أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالمسجد الحرام في هذه الآية الكريمة: يشمل جميع الحرم. ولذلك أخذ بعض العلماء من هذه الآية، أن رباع مكة لا تملك، وقد قدمنا الكلام مستوفى في هذه المسألة، وأقوال أهل العلم فيها، ومناقشة أدلتهم في سورة الأنفال، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، والعاكف: هو المقيم في الحرم، والبادي: الطارىء عليه من البادية، وكذلك غيرها من أقطار الدنيا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: والبادي قرأه أبو عمرو وورش، عن نافع بإثبات الياء، بعد الدال في الوصل، وإسقاطها في الوقف، وقرأه ابن كثير بإثباتها وصلاً ووقفاً،


الصفحة التالية
Icon