وذلك متصل بقوله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً﴾، ولذا جزم الشافعي، وغيره: بأن الحج فرض عام ست قالوا: وإذا كان الحج فرض عام ست، وكان النَّبي ﷺ لم يحج إلا عام عشر، فذلك دليل على أنه على التراخي، إذ لو كان على الفور لما أخره عن أول وقت للحج، بعد نزول الآية. قالوا ولاسيما أنه عام ثمان من الهجرة فتح مكة في رمضان، واعتمر عمرة الجعرانة في ذي القعدة من عام ثمان، ثم رجع إلى المدينة، ولم يحج، قالوا: واستخلف عتاب بن أسيد، فأقام للناس الحج سنة ثمان، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله ﷺ مقيماً بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه، ولم يحجوا، قالوا: ثم غزا غزوة تبوك في عام تسع، وانصرف عنها قبل الحج، فبعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه، فأقام للناس الحج سنة تسع، ورسول الله ﷺ هو وأزواجه وعامة أصحابه قادرون على الحج، غير مشتغلين بقتال، ولا غيره، ولم يحجوا ثم حج ﷺ هو وأزواجه وأصحابه كلهم سنة عشر حجة الوداع، قالوا: فتأخيره الحج المذكور إلى سنة عشر، دليل على أن الحج ليس وجوبه على الفور. بل على التراخي.
واستدلوا لذلك أيضاً بما جاء في صحيح مسلم في قصة ضمام بن ثعلبة السعدي رضي الله عنه: حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد، حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء، الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله، ونحن نسمع. فجاءه رجل من أهل البادية فقال: يا محمد ﷺ أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال: "صدق"، قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله"، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله"، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله"، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال الله أرسلك؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: "صدق"، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، قال: "صدق"، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا، قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: "صدق"، ثم ولى قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "لئن


الصفحة التالية
Icon