قدمنا: أنه سكت عليه أبو داود والمنذري وحسنه الترمذي، وأن النووي قال فيه: رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه والبيهقي، وغيرهم بأسانيد صحيحة، ومحل الشاهد من الحديث المذكور قوله ﷺ في بعض روايات الحديث، عند أبي داود، وابن ماجه: "فقد حل وعليه الحج من قابل" لأن قوله: من قابل دليل على أن الوجوب على الفور، وقد قدمنا هناك، ما يدل على أن ذلك القضاء الواجب على المحصر بمرض أو نحوه إنما هو في حجة الإسلام، وأنه لا قضاء على المحصر في غيرها، وبينا أدلة ذلك هناك في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ والرواية التي ذكرنا هناك: فقد حل وعليه حجة أخرى، وهذه الرواية قد بينتها رواية: "وعليه الحج من قابل" وهي ثابتة: وهي دالة على الفور مفسرة للرواية التي ذكرنا هناك.
فهذه الأحاديث مع تعددها واختلاف طرقها، تدل على أن وجوب الحج على الفور، وتعتضد بالآيات القرآنية التي قدمناها، وتعتضد بما سنذكره إن شاء الله من كلام أهل الأصول.
واعلم أن المخالفين قالوا: إن هذه الأحاديث لم يثبت منها شيء، وأن حديث: "من أراد أن يحج فليتعجل" مع ضعفه حجة لهم لا عليهم، لأنه وكل الأمر إلى إرادته. فدل على أنه ليس على الفور، ولا يخفى أن الأحاديث التي ذكرنا لا يقل مجموعها عن درجة الاحتجاج، على أن وجوب الحج على الفور.
ومن أدلتهم على أن وجوب الحج على الفور: هو أن الله أمر به، وأن جماعة من أهل الأصول قالوا: إن الشرع واللغة والعقل كلها دال على اقتضاء الأمر الفور. أما الشرع فقد قدمنا الآيات القرآنية الدالة على المبادرة فوراً، لامتثال أوامر الله كقوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وكقوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وبينا دلالة تلك الآيات وأمثالها على اقتضاء الأمر الفور، وأوضحنا ذلك.
وأما اللغة: فإن أهل اللسان العربي، مطبقون على أن السيد لو قال لعبده: اسقني ماء، فلم يفعل، فأدبه، فليس للعبد أن يقول له: صيغة أفعل في قولك: اسقني ماء، تدل على التراخي، وكنت سأمتثل بعد زمن متراخ عن الأمر بل يقولون: إن الصيغة ألزمتك فوراً، ولكنك عصيت أمر سيدك بالتواني والتراخي.


الصفحة التالية
Icon