الأداء كما تقدم إيضاحه.
وأجابوا عن قولهم: إن من تمكن من أداء الحج، ثم أخره، ثم فعله لا ترد شهادته فيما بين فعله وتأخيره. ولو كان التأخير حراماً لردت شهادته لارتكابه ما لا يجوز بأنه ما كل من ارتكب ما لا يجوز ترد شهادته، بل لا ترد إلا بما يؤدي إلى الفسق، وهنا قد يمنع من الحكم بتفسيقه مراعاة الخلاف، وقول من قال: إنه لم يرتكب حراماً وشبهة الأدلة التي أقاموها على ذلك، هذا هو حاصل أدلة الفريقين.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين عندي وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض هو: أن وجوب أوامره جل وعلا كالحج على الفور، لا على التراخي، لما قدمنا من النصوص الدالة على الأمر بالمبادرة، وللخوف من مباغتة الموت كقوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وما قدمنا معها من الآيات وكقوله: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾ ولما قدمنا من أن الشرع واللغة والعقل كلها يدل على أن أوامر الله تجب على الفور، وقد بينا أوجه الجواب عن كونه ﷺ لم يحج حجة الإسلام إلا سنة عشر، والعلم عند الله تعالى، وأشار في مراقي السعود إلى أن مذهب مالك أن وجوب الأمر على الفور بقوله:

وكونه للفور أصل المذهب وهو لدى القيد بتأخير أبى
المسألة الثانية:
اعلم أن من أراد الحج له أن يحرم مفرداً الحج وله أن يحرم متمتعاً بالعمرة إلى الحج، وله أن يحرم قارناً بين الحج والعمرة، وإنما الخلاف بين العلماء، فيما هو الأفضل من الثلاثة المذكورة.
والدليل على التخيير بين الثلاثة ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع. فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج الحديث. وهو نص صريح متفق عليه في جواز الثلاثة المذكورة. وقال النووي في شرح المهذب: وجواز الثلاثة قال به العلماء، وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما: أنهما كان ينهيان عن التمتع. انتهى محل الغرض من كلامه.


الصفحة التالية
Icon