قوله ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ فلو كان دم نسك محض، لكان على الجميع من حاضري المسجد الحرام، وغيرهم لاستوائهم جميعاً في حكم النسك المحض. وهذا على قول الجمهور: إن الإشارة في قوله: ذلك راجعة إلى لزوم دم التمتع: أي وأما من كان أهله حاضري المسجد الحرام، فلا دم عليه، إن تمتع بالعمرة إلى الحج خلافاً لابن عباس، ومن وافقه من الحنفية وغيرهم في قولهم: إن الإشارة في قوله ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ راجعة إلى التمتع بالعمرة إلى الحج، وأن أهل مكة لا تمتع لهم، لأنه على قول الجمهور لا فرق بين الآفاقي، وحاضري المسجد الحرام موجباً لوجوب دم التمتع على الأول وسقوطه عن الثاني، إلا أن الأول: تمتع بالترفه بسقوط أحد السفرين لأحد النسكين: ولذلك قال مالك، وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه: إنه إن سافر بعد إحلاله من العمرة وأحرم للحج في سفر جديد أنه لا دم تمتع عليه لزوال العلة مع اختلافهم في قدر السفر المسقط للدم المذكور: فبعضهم يكتفي بسفر مسافة القصر، وهو مذهب أحمد، وهو مروي عن عطاء وإسحاق والمغيرة، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني. وبعضهم: يكتفي بالرجوع إلى الميقات، وهو مذهب الشافعي، وبعضهم يشترط الرجوع إلى محله الذي جاء منه، وعزاه في المغني لأبي حنيفة وأصحابه. وبعضهم: يشترط ذلك أو سفر مسافة بقدره: أعني قدر مسافة المحل الذي جاء منه وهو مذهب مالك وأصحابه. وهذا يدل على أن دم التمتع دم جبر لنقص السفر المذكور، بدليل أن السفر إن حصل عندهم سقط الدم لزوال علة وجوبه.
الأمر الثالث: من الأمور التي استدل بها القائلون: بأفضلية الإفراد بعض الأحاديث الواردة عن النَّبي ﷺ بالنهي عن التمتع والقران.
قال البيهقي في السنن الكبرى: أخبرنا أبو علي الروذباري، أنبأنا أبو بكر بن داسة، ثنا أبو داود، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني حيوة، أخبرني أبو عيسى الخراساني، عن عبد الله بن القاسم الخراساني، عن سعيد بن المسيب: أن رجلاً من أصحاب رسول الله ﷺ أتى عمر بن الخطاب، فشهد عنده: أنه سمع رسول الله ﷺ في مرضه الذي قبض فيه ينهي عن العمرة قبل الحج.
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك، أنبأ عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي واسمه


الصفحة التالية
Icon