تنبيهات
الأول : اعلم أن دعوى من ادعى أن النَّبي ﷺ كان متمتعاً التمتع المعروف، وأنه حل من عمرته، ثم أحرم للحج باطلة بلا شك. وقد ثبت بالروايات الصحيحة التي لا مطعن فيها: أنه كان قارناً، وأنه لم يحل حتى نحر هديه، كما قدمناه في هذا المبحث في حديث أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، وعن أبيها.
فإن لفظ النَّبي ﷺ في حديثها المتفق عليه قال: "إني لبدت رأسي، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر" والأحاديث بمثله كثيرة. وسبب غلط من ادعى الدعوى الباطلة المذكورة، هو ما أخرجه مسلم في صحيحه:
حدثنا عمرو الناقد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس قال: قال ابن عباس: قال معاوية: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند المروة بمشقص قلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك. وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، حدثني الحسن بن مسلم، عن طاوسٍ، عن ابن عباس: أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: قصرت عن رسول الله ﷺ بمشقص وهو على المروة، أو رأيته يقصِّر عنه بمشقص، وهو على المروة. انتهى منه وأخرج البخاري هذا الحديث عن معاوية بلفظ: قال قصرت عن رسول الله ﷺ بمشقص، فالاستدلال بهذا الحديث، على أن النَّبي أحل بعمرة في حجة الوداع غلط فاحش مردود من وجهين.
الأول: أنه ليس في الحديث المتفق عليه ذكر حجة الوداع، ولا شيء يدل على أن ذلك التقصير كان فيها.
الثاني : ورود الرواية الصحيحة التي لا مطعن فيها أنه لم يحل إلا بعد الرجوع من عرفات، بعد أن نحر هديه. وقال النووي في كلامه على حديث معاوية هذا، وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النَّبي ﷺ في عمرة الجعرانة، لأن النَّبي ﷺ في حجة الوداع كان قارناً كما سبق إيضاحه، وثبت أنه ﷺ حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي الله عنه شعره بين الناس فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضاً على عمرة القضاء


الصفحة التالية
Icon