الدراوردي أخطأ فيه، وأن الصواب أنه موقوف، وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب، والليث، وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب، من أن ذلك وقع لابن عمر، وأنه قال: إن النَّبي ﷺ فعل ذلك، لا أنه روي هذا اللفظ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو إعلال مردود، فالدراوردي صدوق، وليس ما رواه مخالفاً لما رواه غيره، فلا مانع من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين انتهى كلام ابن حجر في الفتح.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: هذا الحديث الذي نحن بصدده ليس بموقوف على كلا التقديرين، لأن ابن عمر لما طاف لهما طوافاً واحداً، أخبر بأن النَّبي ﷺ فعل كذلك وهذا عين الرفع، فلا وقف ألبتة كما ترى، وحديث ابن عمر هذا الذي ذكر ابن حجر في الفتح: أن سعيد بن منصور أخرجه أصرح من حديثي الباب عند البخاري قال فيه المجد في المنتقى: رواه أحمد وابن ماجه، وفي لفظ: من أَحرم بالحج والعمرة أجزأه طوافٌ واحد وسعيٌ واحد منهما حتى يَحِلَّ منهما جميعاً رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. وفيه دليل على وجوب السعي، ووقوف التحلل عليه.
ومنها: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل منهما جميعاً" الحديث، وفيه: وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً انتهى. وهو نص صريح متفق عليه دال على اكتفاء القارن بطواف واحد لحجه وعمرته.
وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالطواف في حديث عائشة، هذا هو الطواف بين الصفا والمروة، وله وجه من النظر، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.
ومنها: حديث جابر الذي قدمناه عند مسلم، وفيه: أن النَّبي ﷺ قال: "دخلت العمرة في الحج مرتين" وتصريحه ﷺ بدخولها فيه، يدل على دخول أعمالها في أعماله حالة القران، وإن أوله جماعات من أهل العلم بتأويلات أخر متعددة.
والأحاديث الدالة على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد كفعل المفرد كثيرة، وفيما ذكرنا هنا من الأحاديث الصحيحة كفاية لمن يريد الحق وهذا الذي ذكرناه بعض أدلة القائلين بالفرق بين القران والتمتع، وأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد لعمرته وحجه. وقد رأيت ما ذكر من أدلتهم على أن القارن يكفيه طواف واحد، وسعي واحد.


الصفحة التالية
Icon