موضع آخر: أن الذي يقول البخاري فيه قال فلان، يسمى شيخاً من شيوخه، يكون من قبيل الإسناد المعنعن. وحكى عن بعض الحفاظ أو يفعل ذلك فيما تحمله عن شيخه مذاكرة. وعن بعضهم أنه فيما يرويه مناولة ا هـ، وهو صريح في أن قوله: قال فلان: لا يستلزم التعليق.
فإن قيل: توجد في صحيح البخاري أحاديث يرويها عن بعض شيوخه بصيغة: قال فلان، ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه، وبين ذلك الشيخ.
فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لا مانع عقلاً ولا عادة، ولا شرعاً من أن يكون روي ذلك الحديث عن الشيخ مباشرة ورواه عنه أيضاً بواسطة مع كون روايته عنه مباشرة تشتمل على سبب من الأسباب المؤدية للتعبير بلفظة: قال المشار إليها آنفاً، والرواية عن الواسطة سالمة من ذلك.
الوجه الثاني: أنا لو سلمنا تسليماً جدلياً أن الصيغة المذكورة تقتضي التعليق، ولا تقتضي الاتصال، فتعليق البخاري بصيغة الجزم، حكمه عند علماء الحديث حكم الصحيح، كما هو معروف.
وقد قال ابن حجر في الفتح في الكلام على حديث المعازف ما نصه: وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعليق كلها بصيغة الجزم، يكون صحيحاً إلى من علق عنه، ولو لم يكن من شيوخه. انتهى محل الغرض منه.
فتبين بما ذكرنا أن حديث ابن عباس المذكور الدال على أن المتمتع يسعى، ويطوف لحجه بعد الوقوف بعرفة، ولا يكتفي بطواف العمرة السابق، وسعيها نص صحيح على كل تقدير في محل النزاع.
ومنها: ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها مما يدل على أن المتمتع يطوف لحجه بعد رجوعه من منى، قال البخاري في صحيحه: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها زوج النَّبي ﷺ قالت: خرجنا مع النَّبي ﷺ في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: " من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً" الحديث، وفيه قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً


الصفحة التالية
Icon