وَلا جِدَالَ} صيغة خبر أريد بها الإنشاء: أي فلا يرفث ولا يفسق، ولا يجادل، وقد تقرر في فن المعاني أن الصيغة قد تكون خبرية، والمراد بها الإنشاء لأسباب منها التفاؤل كقولك: رحم الله زيداً، فالصيغة خبرية، والمراد بها إنشاء الدعاء له بالرحمة، ومنها إظهار تأكيد الإتيان بالفعل، وإلزام ذلك كقوله تعالى: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [الصف: ١٠-١١]: أي آمنوا بالله بدليل جزم الفعل في قوله ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الصف: ١٢] فهو مجزوم بالطلب المراد بالخبر في قوله ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ أي آمنوا بالله، يغفر لكم ذنوبكم كقوله ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة: ١٤] ﴿تَعَالَوْا أَتْلُ﴾ [الأنعام: ١٥١]، ونحو ذلك، فالمسوغ لكون الصيغة في الآية خبرية، هو إظهار التأكد، واللزوم في الإتيان بالإيمان فعبر عنه بصيغة الخبر، لإظهار أنه يتأكد ويلزم أن يكون كالواقع بالفعل المخبر عن وقوعه، وكقوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، وقوله ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨]. فالمراد الأمر بالإرضاع، والتربص وقد عبر عنه بصيغة خبرية لما ذكرنا، كما هو معروف في فن المعاني.
والأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين:
أحدهما : مباشرة النساء بالجماع ومقدماته.
والثاني : الكلام بذلك كأن يقول المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا، ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] فالمراد بالرفث في الآية: المباشرة بالجماع ومقدماته، ومن إطلاق الرفث على الكلام قول العجاج:
ورب أسرابٍ حجيج كظم | عن اللغا ورفث التكلم |
وهنَّ يمشين بنا هميسا | إن تَصْدِق الطير نَنِكْ لَمِيسَا |
والأظهر في معنى الفسوق في الآية أنه شامل لجميع أنواع الخروج عن طاعة الله