حجته. انتهى من صحيح مسلم، وقد تركنا ذكر اختلاف الروايات، هل ذبح عن جميعهن بقرة واحدة، أو عن كل واحدة بقرة، كما جاء التصريح به في حديث مسلم، هذا بالنسبة إلى عائشة، وعلى كل حال فهذه الروايات الصحيحة، وأمثالها الكثيرة التي قدمنا كثيراً منها: تدل على أنه ﷺ نحر عمن تمتع من أزواجه، ومن قرن في خصوص يوم النحر، وأنه هو ﷺ كذلك فعل عن نفسه، وكان قارناً مع أنه كان يتمنى أن يعتمر، ويحل منها، ثم يحرم بالحج، كما أمر أصحابه بفعل ذلك، وصرح في الروايات الصحيحة: بأن المانع له من ذلك سوق الهدي، فلو كان الهدي يجوز نحره قبل يوم النحر لتحلل ونحر كما أوضحناه، وفعله هذا كالتفسير لقوله تعالى: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ فبين بفعله: أن بلوغه محله يوم النحر بمنى، بعد رمي جمرة العقبة، فمن أجاز ذبح هدي التمتع قبل ذلك، فقد خالف فعله ﷺ المبين لإجمال القرآن، وخالف ما كان عليه أصحابه من بعده وجرى عليه عمل عامة المسلمين، ولا يثبت بنص صحيح عن صحابي واحد أنه نحر هدي تمتع أو قران قبل يوم النحر، فلا يجوز العدول عن هذا الذي فعله ﷺ مبيناً به إجمال الآيات القرآنية، وأكده بقوله: "لتأخذوا عني مناسككم" كما ترى.
فإذا عرفت مما ذكرنا: أن الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة، وفعل الخلفاء الراشدين، وغيرهم من كافة علماء المسلمين: هو أنه لا يجوز نحر هدي التمتع والقران، قبل يوم النحر. فدونك الأجوبة التي أجيب بها عن أدلة المخالفين القائلين: بجواز ذبحه عند إحرام الحج، أو عند الإحلال من العمرة.
أما استدلالهم بأن هدي التمتع له سببان، فجاز بأحدهما قياساً على الزكاة، بعد ملك النصاب، وقبل حلول الحول، فهو مردود بكونه فاسد الاعتبار، وفساد الاعتبار من القوادح المجمع على القدح بها، وهو بالنسبة إلى القياس أن يكون القياس مخالفاً لنص من كتاب، أو سنة، أو إجماع، وهذا القياس مخالف للسنة الثابتة عنه ﷺ التي هي النحر يوم النحر، كما قدمنا إيضاحه، وعرف في مراقي السعود فساد الاعتبار بقوله في مبحث القوادح.
والخلف للنص أو إجماع دعا | فساد الاعتبار كل من وعى |