المسيب وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار سُئِلُوا عن نكاح المحرم؟ فقالوا: لا يَنْكِحُ المحرم، ولا يُنْكِحْ. وفي الموطأ أيضاً عن مالك، عن داود بن الحصين. أن أبا غطفان بن طَرِيف المُرِّيَّ، أخبره أن أباه طريفاً، تزوج امرأة وهو محرم. فرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نكاحه. وحديث أبي غطفان بن طريف، هذا رواه أيضاً الدارقطني، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سئل عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل، وهو خارج من مكة، فأراد أن يعتمر أو يحج؟ فقال: لا تتزوجها، وأنت محرم نهى رسول الله ﷺ عنه انتهى منه بواسطة نقل المجد في المنتقى.
فهذا هو حاصل أدلة من قال: بأن الإحرام مانع من عقد النكاح، وأما الذين قالوا: بأن الإحرام لا يمنع عقد النكاح، فقد استدلوا بما رواه الشيخان في صحيحيهما، وأصحاب السنن، والإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم وللبخاري "تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف" ا هـ.
قالوا: فهذا الحديث المتفق عليه، عن ابن عباس رضي الله عنهما فيه التصريح بأنه ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم، والله تعالى يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌٌ﴾ وهو المشرع لأمته بأقواله، وأفعاله، وتقريره صلوات الله وسلامه عليه، فلو كان تزويج المحرم حراماً لما فعله ﷺ واحتج الجمهور القائلون: يمنع نكاح المحرم بالأحاديث المتقدمة، قالوا: ثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" وصيغة النفي في قوله: "لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب" يراد بها النهي كقوله تعالى: ﴿فلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ أي لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا في الحج، وإيراد الإنشاء بصيغة الخبر أبلغ من إيراده بصيغة الإنشاء، كما هو مقرر في المعاني.
والحديث دليل صحيح من قول النبي ﷺ على منع نكاح المحرم وهو معتضد بما ذكرنا معه من الأحاديث، والآثار الدالة على منع نكاح المحرم. وأجاب الجمهور القائلون: يمنع إحرام أحد الزوجين: أو الولي عقد النكاح عن حديث ابن عباس المذكور، بأجوبة.


الصفحة التالية
Icon