آية ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ في الأمة الواحدة، أو الأمتين اللتين ليستا بأختين، ويجتمعان في الجمع بين الأختين، فعموم ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأٍخْتَيْنِ﴾ يقتضي تحريمه، وعموم ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ يقتضي إباحته، وإذا تعارض العامان من وجه في الصورة التي يجتمعان فيها: وجب الترجيح بينهما، والراجح منهما، يقدم ويخصص به عموم الآخر، كما أَشار له في مراقي السعود بقوله:

وإن يك العموم من وجه ظهر فالحكم بالترجيح حتما معتبر
وإذا علمت ذلك فاعلم أن عموم ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ﴾ مرجح من خمسة أَوجه على عموم ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ :
الأول: منها أن عموم ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ﴾ نص في محل المدرك المقصود بالذات، لأن السورة سورة النساء: وهي التي بين الله فيها من تحل منهن، ومن لا تحل وآية ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ في الموضعين لم تذكر من أجل تحريم النساء، ولا تحليلهن بل ذكر الله صفات المؤمنين التي يدخلون بها الجنة. فذكر من جملتها حفظ الفرج، فاستطرد أنه لا يلزم حفظه عن الزوجة والسرية. وقد تقرر في الأصول: أن أخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها، لا من مظانها.
الوجه الثاني: أن آية ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ ليست باقية على عمومها بإجماع المسلمين، لأن الأخت من الرضاع لا تحل بملك اليمين، إجماعاً للإجماع على أن عموم أو ما ملكت أيمانهم يخصصه عموم ﴿وَأَخَواتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٢] وموطوءة الأب لا تحل بملك اليمين إجماعاً، للإجماع على أن عموم ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ يخصصه عموم ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢]. والأصح عند الأصوليين في تعارض العام الذي دخله التخصيص، مع العام الذي لم يدخله التخصيص: هو تقديم الذي لم يدخله التخصيص، وهذا هو قول جمهور أهل الأصول، ولم أعلم أحداً خالف فيه، إلا صفي الدين الهندي، والسبكي.
وحجة الجمهور أن العام المخصص، اختلف في كونه حجة في الباقي، بعد التخصيص، والذين قالوا: هو حجة في الباقي. قال جماعة منهم: هو مجاز في الباقي، وما اتفق على أنه حجة، وأنه حقيقة، وهو الذي لم يدخله التخصيص أولى مما اختلف في حجيته، وهل هو حقيقة، أو مجاز، وإن كان الصحيح: أنه حجة في الباقي، وحقيقة فيه،


الصفحة التالية
Icon