قوله تعالى: ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة لما دلت عليه هذه الآية الكريمة في سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ﴾ [النحل: ١١] وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
قوله تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾.
قوله: ﴿وَشَجَرَةً﴾ : معطوف على: ﴿جَنَّاتٍ﴾ من عطف الخاص على العام. وقد قدمنا مسوغه مرارا: أي فأنشأنا لكم به جنات، وأنشأنا لكم به شجرة تخرج من طور سيناء وهي شجرة الزيتون، كما أشار له تعالى بقوله ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ [النور: ٣٥]، والدهن الذي تنبت به: هو زيتها المذكور في قوله: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾ [النور: ٣٥] ومع الاستضاءة منها، فهي ﴿وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ : أي إدام يأتدمون به، وقرأ هذا الحرف: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو: ﴿سَيْنَاءَ﴾ بكسر السين، وقرأ الباقون: بفتحها، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ﴿تَنْبُتُ﴾ بضم التاء، وكسر الباء الموحدة مضارع أنبت الرباعي، وقرأ الباقون: ﴿تَنْبُتُ﴾ بفتح التاء، وضم الباء مضارع: نبت الثلاثي، وعلى هذه القراءة، فلا إشكال في حرف الباء في قوله: ﴿بِالدُّهْنِ﴾ : أي تنبت مصحوية بالدهن الذي يستخرج من زيتونها، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ففي الباء إشكال، وهو أن أنبت الرباعي يتعدى بنفسه، ولا يحتاج إلى الباء وقد قدمنا النكتة في الإتيان بمثل هذه الباء في القرآن، وأكثرنا من أمثلته في القرآن، وفي كلام العرب في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥]، ولا يخفي أن أنبت الرباعي، على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو هنا: لازمة لا متعدية المفعول، وأنبت تتعدى، وتلزم فمن تعديها قوله تعالى: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ﴾ [النحل: ١١] وقوله تعالى: ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [قّ: ٩] ومن لزومها قراءة ابن كثير، وأبي عمرو المذكورة، ونظيرها من كلام العرب قول زهير:

رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا بها حتى إذا أنبت البقل
فقوله: أنبت البقل لازم بمعنى: نبت، وهذا هو الصواب في قراءة: ﴿تَنْبُتُ﴾ بضم التاء. خلافا لمن قال: إنها مضارع أنبت المتعدي: وأن المفعول محذوف: أي تنبت


الصفحة التالية
Icon