عَلِيمٌ} [المؤمنون: ٥١]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٢] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر. ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب فأنى يستجاب له" وهو يدل دلالة واضحة أن دعاءه الذي هو أعظم القرب لم ينفعه، لأنه لم يأكل من الحلال ولم يشرب منه، ولم يركب منه.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾.
قد أوضحنا معنى هاتين الآيتين، وفسرنا ما يحتاج منهما إلى تفسير وبينا الآيات الموضحة لمعناهما في سورة الأنبياء في الكلام على قوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ [الانبياء: ٩٣]، وبينا المراد بالأمة مع بعض الشواهد العربية، وبينا جمع معاني الأمة في القرآن في أول سورة هود في الكلام على قوله: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨] فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
قوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾.
أمر جل وعلا نبيه ﷺ أن يذر الكفار أي يتركهم في غمرتهم إلى حين، أي وقت معين عند الله، والظاهر أنه وقت انقضاء آجالهم بقتل أو موت، وصيرورتهم إلى ما هم صائرون إليه بعد الموت من العذاب البرزخي، والأخروي، وكون المراد بالحين المذكور: وقت قتلهم، أو موتهم ذكره الزمخشري عن علي رضي الله عنه، بغير سند.
وأقوال أهل العلم في معنى غمرتهم راجعة إلى شيء واحد كقول الكلبي ﴿فِي غَمْرَتِهِمْ﴾: أي جهالتهم: وقول ابن بحر: في حيرتهم، وقول ابن سلام: في غفلتهم، وقول بعضهم: في ضلالتهم فمعنى كل هذه الأقوال واحد، وهو أنه، أمره أن يتركهم فيما هم فيه من الكفر والضلال، والغي والمعاصي قال الزمخشري: الغمرة: الماء الذي يغمر القامة فضربت مثلا لما هم مغمورون فيه من جهلهم، وعمايتهم أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل، قال ذو الرمة:

ليالي اللهو يطبيني فأتبعه كأنني ضارب في غمرة لعب
وصيغة الأمر في قوله: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٥٤] للتهديد، وقد تقرر في


الصفحة التالية
Icon