الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره وتدبيره لخلقه سبحانه وتعالى علوا كبيرا.
ومما يوضح أن الحق لو اتبع الأهواء الفاسدة المختلفة لفسدة السموات والأرض ومن فيهن قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الانبياء: ٢٢] فسبحان الله رب العرش عما يصفون.
القول الثاني: أن المراد بالحق في الآية: الحق الذي هو ضد الباطل المذكور في قوله قبله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٠] وهذا القول الأخير اختاره ابن عطية، وأنكر الأول.
وعلى هذا القول فالمعنى: أنه لو فرض كون الحق متبعا لأهوائهم، التي هي الشرك بالله، وادعاء الأولاد، والأنداد له ونحو ذلك: لفسد كل شيء لأن هذا الغرض يصير به الحق، هو أبطل الباطل، ولا يمكن أن يقوم نظام السماء والأرض على شيء، هو أبطل الباطل، لأن استقامة نظام هذا العالم لا تمكن إلا بقدرة وإرادة إله هو الحق منفرد بالتشريع، والأمر والنهي كما لا يخفي على عاقل والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٧١].
اختلف العلماء في الذكر في الآية فمنهم من قال: ذكرهم: فخرهم، وشرفهم، لأن نزول هذا الكتاب على رجل منهم فيه لهم أكبر الفخر والشرف، وعلى هذا، فالآية كقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] على تفسير الذكر بالفخر والشرف، وقال بعضهم: الذكر في الآية: الوعظ والتوصية، وعليه فالآية كقوله: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ٥٨] وقال بعضهم: الذكر هو ما كانوا يتمنونه في قوله: ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ. لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ١٦٨- ١٦٩] وعليه، فالآية كقوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ [فاطر: ٤٢] وعلى هذا القول فقوله: ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً﴾ [فاطر: ٤٢] كقوله هنا: ﴿فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾. وكقوله: ﴿أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٧] والآيات بمثل هذا على القول الأخير كثيرة والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.


الصفحة التالية
Icon