شاء ممن شاء، ولا يمنع أحد منه أحدا شاء أن يهلكه أو يعذبه، لأنه هو القادر وحده، على كل شيء، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير. ومنه قول الشاعر:
أراك طفقت تظلم من أجرنا
وظلم الجار إذلال المجير
وقوله تعالى: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ أي كيف تخدعون، وتصرفون عن توحيد ربكم، وطاعته مع ظهور براهينه القاطعة وأدلته الساطعة، وقيل: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ أي كيف يخيل إليكم: أن تشركوا به ما لا يضر، ولا ينفع، ولا يغني عنكم شيئا بناء على أن السحر هو التخييل.
وقد قدمنا الكلام على السحر مستوفي في سورة طه في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٩] والظاهر أن معنى تسحرون هنا: تخدعون بالشبه الباطلة فيذهب بعقولكم، عن الحق كما يفعل بالمسحور. والله تعالى أعلم
وقوله: ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ قرأه حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي بتخفيف الذال بحذف إحدى التاءين، والباقون بالتشديد لإدغام إحدى التاءين في الذال.
وقوله تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ جاء في هذه الآيات ثلاث مرات.
الأول: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾. وهذه اتفق جميع السبعة على قراءتها بلام الجر الداخلة على لفظ الجلالة، لأنها جواب المجرور بلام الجر، وهو قوله: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا﴾ فجواب ﴿لِمَنِ الْأَرْضُ﴾، هو أن تقول: ﴿لِلَّهِ﴾، وأما الثاني الذي هو ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ والثالث: الذي هو قوله ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ فقد قرأهما أبو عمرو بحذف لام الجر ورفع الهاء من اللفظ الجلالة.
والمعنى: على قراءة أبي عمرو المذكورة واضح لا إشكال فيه، لأن الظاهر في جواب ﴿مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾، أن تقول: الله بالرفع أي رب ما ذكر هو الله، وكذلك جواب قوله: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾. فالظاهر في جوابه أيضا أن يقال: الله بالرفع: أي الذي بيده ملكوت كل شيء هو الله، فقراءة أبي عمرو جارية على الظاهر، الذي لا إشكال فيه. وقرأ الحرفين المذكورين غيره من السبعة، بحرف الجر وخفض الهاء من لفظ الجلالة كالأول.
وفي هذه القراءة التي هي قراءة الجمهور سؤال معروف: وهو أن يقال: ما وجه الإتيان بلام الجر، مع أن السؤال لا يستوجب الجواب بها، لأن قول: {مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ


الصفحة التالية
Icon