وكالعمل بما تضمنته من الأحكام الشرعية، والقراءة بها في الصلاة، ونحو ذلك من الأحكام. وإذا أراد الله أن ينسخها بحكمته فتارة ينسخ جميع أحكامها من تلاوة، وتعبد، وعمل بما فيها من الأحكام كآية عشر رضعات معلومات يحرمن، وتارة ينسخ بعض أحكامها دون بعض، كنسخ حكم تلاوتها، والتعبد بها مع بقاء ما تضمنته من الأحكام الشرعية، وكنسخ حكمها دون تلاوتها، والتعبد بها كما هو غالب ما في القرءان من النسخ.
وقد أوضحنا جميع ذلك بأمثلته في سورة "النحل" في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ [النحل: ١٠١]، وله الحكمة البالغة في جميع ما يفعله من ذلك.
فآية الرجم المقصود منها إثبات حكمها، لا التعبد بها، ولا تلاوتها، فأنزلت وقرأها الناس، وفهموا منها حكم الرجم، فلما تقرر ذلك في نفوسهم نسخ الله تلاوتها، والتعبد بها، وأبقى حكمها الذي هو المقصود، والله جل وعلا أعلم.
فالرجم ثابت في القرءان، وما سيأتي عن علي رضي الله عنه أنه قال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينافي ذلك؛ لأن السنة هي التي بينت أن حكم آية الرجم باق بعد نسخ تلاوتها فصار حكمها من هذه الجهة، فإنه ثابت بالسنة، والله تعالى أعلم.
وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثني أبو الطاهر، وحرملة بن يحيى قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أنه سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب، وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد بعث محمدا ﷺ بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، اهـ منه.
فهذا الحديث الذي اتفق عليه الشيخان، عن هذا الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دليل صريح صحيح على أن الرجم ثابت بآية من كتاب


الصفحة التالية
Icon