والفَرق ثلاثة آصع.
فهذه النصوص الصحيحة الصريحة: مبينة غاية البيان آية الفدية، موضحة: أن الصيام المذكور في الآية ثلاثة أيام، وأن الصدقة فيها ثلاثة آصع بين ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك فيها ما تيسر شاة فما فوقها، وأن ذلك على سبيل التخيير بين الثلاثة، كما هو نص الآية، والأحاديث المذكورة، وهذا لا ينبغي العدول عنه، لدلالة القرآن، والسنة الصحيحة عليه، وهو قول جماهير العلماء.
وبه تعلم أن قول الحسن والثوري وعكرمة ونافع: أن الصيام عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين، خلاف الصواب لما ذكرنا، وإنما يقول أصحاب الرأي: من أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة لكل مسكين، وأما غير البر كالتمر والشعير مثلاً، فلا بد من صاع كامل لكل مسكين، خلاف الصواب أيضاً لمخالفته للروايات الصحيحة، عن النَّبي ﷺ التي ذكرناها آنفاً، وأن ما رواه الطبري وغيره، عن سعيد بن جبير: من أن الواجب أولاً النسك، فإن لم يجد نسكاً، فهو مخير بين الصوم والصدقة، خلاف الصواب أيضاً، للأدلة التي ذكرناها، وهي واضحة صريحة في التخيير.
ومن أصرحها في التخيير ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن داود، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة: أن رسول الله ﷺ قال له: "إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين" ا هـ. فصراحة هذا في التخيير بين الثلاثة كما ترى وما رواه مالك في موطئه، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، أنه كان مع رسول الله ﷺ محرماً، فآذاه القمل في رأسه، فأمره رسول الله ﷺ أن يحلق رأسه، وقال: "صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ، لكل إنسان أو انسك بشاة. أيَّ ذلك فعلت أجزأ عنك" اهـ من الموطأ.
وقوله "أيَّ ذلك فعلت أجزأ عنك" صريح في التخيير كما ترى، مع أن الآية الكريمة، والروايات الثابتة في الصحيحين نصوص صريحة في ذلك لصراحة لفظة، أو في التخيير والعلم عند الله تعالى.
وهذا الذي بينا حكمه الآن: هو حلق جميع شعر الرأس أما حلق بعض شعر الرأس، أو شعر باقي الجسد غير الرأس، فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon