من موضوعات ابن الجوزي، وكثرة اختلاف العلماء في تصحيح الحديث المذكور وتضعيفه معروفة.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار": ولا ريب أن العرب تكني بمثل هذه العبارة، عن عدم العفة عن الزنى، يعني بالعبارة المذكورة قول الرجل: إن امرأتي لا ترد يد لامس، اهـ. وما قاله الشوكاني وغيره هو الظاهر؛ لأن لفظ: لا ترد يد لامس، أظهر في عدم الامتناع ممن أراد منها ما لا يحل كما لا يخفى، فحمله على تفريطها في المال غير ظاهر؛ لأن إطلاق لفظ اللامس على أخذ المال ليس بظاهر، كما ترى.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الحديث المذكور في المرأة التي ظهر عدم عفتها، وهي تحت زوج، وكلامنا الآن في ابتداء النكاح لا في الدوام عليه، وبين المسألتين فرق، كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أن الذين قالوا بجواز تزويج الزانية والزاني أجابوا عن الاستدلال بالآية التي نحن بصددها، وهي قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣]، من وجهين:
الأول : أن المراد بالنكاح في الآية هو الوطء الذي هو الزنى بعينه، قالوا: والمراد بالآية تقبيح الزنى وشدة التنفير منه؛ لأن الزاني لا يطاوعه في زناه من النساء إلا التي هي في غاية الخسة لكونها مشركة لا ترى حرمة الزنى أو زانية فاجرة خبيثة.
وعلى هذا القول فالإشارة في قوله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٣]، راجعة إلى الوطء الذي هو الزنى، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منه، كعكسه، وعلى هذا القول فلا إشكال في ذكر المشركة والمشرك.
الوجه الثاني: هو قولهم: إن المراد بالنكاح في الآية التزويج، إلا أن هذه الآية التي هي قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ الآية، منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢]، وممن ذهب إلى نسخها بها: سعيد بن المسيب، والشافعي. وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية، ما نصه: هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية، أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة