والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوج إلا عفيفة صينة، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيده حديث: "فاظفر بذات الدين تربت بداك"، والعلم عند الله تعالى.
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٥].
قوله تعالى في هذه الآية: ﴿يَرْمُونَ﴾، معناه: يقذفون المحصنات بالزنا صريحا أو ما يستلزم الزنا كنفي نسب ولد المحصنة عن أبيه؛ لأنه إن كان من غير أبيه كان من زنى، وهذا القذف هو الذي أوجب الله تعالى فيه ثلاثة أحكام:
الأول : جلد القاذف ثمانين جلدة.
والثاني : عدم قبول شهادته.
والثالث : الحكم عليه بالفسق.
فإن قيل: أين الدليل من القرءان على أن معنى ﴿يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ في هذه الآية، هو القذف بصريح الزنى، أو بما يستلزمه كنفي النسب؟
فالجواب: أنه دلت عليه قرينتان من القرءان:
الأولى : قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ بعد قوله: ﴿يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾، ومعلوم أنه ليس شىء من القذف يتوقف إثباته على أربعة شهداء إلا الزنى، ومن قال: إن اللواط حكمه حكم الزنى أجرى أحكام هذه الآية على اللائط.
وقد قدمنا أحكام اللائط مستوفاة في سورة "هود"، كما أشرنا له غير بعيد.
القرينة الثانية: هي ذكر المحصنات بعد ذكر الزواني، في قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾، وقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾، فذكر المحصنات بعد ذكر الزواني، يدل على إحصانهن، أي: عفتهن عن الزنى، وأن الذين يرمونهن إنما يرمونهن بالزنى، وقد قدمنا جميع المعاني التي تراد بالمحصنات في القرءان، ومثلنا لها كلها من القرءان في سورة "النساء"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، فذكرنا أن من المعاني التي