ولم يحابها في معصية الله لعلم أن لذة المعاصي كلذة الشراب الحلو الذي فيه السم القاتل، والشراب الذي فيه السم القاتل لا يستلذه عاقل لما يتبع لذته من عظيم الضرر وحلاوة المعاصي فيها ما هو أشد من السم القاتل، وهو ما تستلزمه معصية الله جل وعلا من سخطه على العاصي، وتعذيبه له أشد العذاب، وعقابه على المعاصي قد يأتيه في الدنيا فيهلكه، وينغص عليه لذة الحياة، ولا شك أن من جعل أسباب الندم على المعصية وسيلة إلى الندم، أنه يتوصل إلى حصول الندم على المعصية، بسبب استعماله الأسباب التي يحصل بها.
فالحاصل أنه مكلف بالأسباب المستوجبة للندم، وأنه إن استعملها حصل له الندم، وبهذا الاعتبار كان مكلفا بالندم، مع أنه انفعال لا فعل.
ومن أمثلة استعمال الأسباب المؤدية إلى الندم على المعصية، قول الشاعر وهو الحسين بن مطير:
فلا تقرب الأمر الحرام فإنه | حلاوته تفنى ويبقى مريرها |
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها | من الحرام ويبقى الإثم والعار |
تبقى عواقب سوء في مغبتها | لا خير في لذة من بعدها النار |
ومن أمثلة هذا، من كان على بدعة من البدع السيئة المخالفة للشرع المستوجبة للعذاب إذا بث بدعته، وانتشرت في أقطار الدنيا، ثم تاب من ارتكاب تلك البدعة، فندم على ذلك ونوى ألا يعود إليه أبدا، مع أن إقلاعه عن بدعته لا قدرة له عليه، لانتشارها في أقطار الدنيا؛ ولأن من سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووز من عمل بها إلى يوم القيامة، ففساد بدعته باق.