قال أبو حيان في البحر المحيط: ﴿وَمَثَلاً﴾ معطوف على ﴿آيَاتٍ﴾، فيحتمل أن يكون المعنى ومثلا من أمثال الذين من قبلكم: أي قصة غريبة من قصصهم كقصة يوسف، ومريم في براءتهما.
وقال الزمخشري: ومثلا من أمثال من قبلكم أي قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف، ومريم يعني قصة عائشة رضي الله عنها، وما ذكرنا عن أبي حيان والزمخشري ذكره غيرهما.
وإيضاحه: أن المعنى: وأنزلنا إليكم مثلا أي قصة عجيبة غريبة في هذه السورة الكريمة، وتلك القصة العجيبة من أمثال ﴿الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [النور: ٣٤] أي: من جنس قصصهم العجيبة، وعلى هذا الذي ذكرنا فالمراد بالقصة العجيبة التي أنزل إلينا، وعبر عنها بقوله: ﴿وَمَثَلاً﴾ هي براءة عائشة رضي الله عنها مما رماها به أهل الإفك، وذلك مذكور في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ [النور: ١١] إلى قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦] الآية. فقد بين في الآيات العشر المشار إليها أن أهل الإفك رموا عائشة، وأن الله برأها في كتابه مما رموها به، وعلى هذا:
فمن الآيات المبينة لبعض أمثال من قبلنا قوله تعالى في رمي امرأة العزيز يوسف بأنه أراد بها سوءا تعني الفاحشة قالت: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٥] وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ [يوسف: ٣٥] لأنهم سجنوه بضع سنين، بدعوى أنه كان أراد الفاحشة من امرأة العزيز، وقد برأه الله من تلك الفرية التي افتريت عليه بإقرار النسوة وامرأة العزيز نفسهاوذلك في قوله تعالى: ﴿بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف: ٥٠-٥١] وقال تعالى عن امرأة العزيز في كلامها مع النسوة اللاتي قطعن أيديهن ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ [يوسف: ٣٢] الآية.
فقصة يوسف هذه مثل من أمثال من قبلنا، لأنه رمى بإرادة الفاحشة وبرأه الله من


الصفحة التالية
Icon