من أمثال من قبلنا فهي ما يبين بعض ما دل عليه قوله: ﴿وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾.
والآيات التي دلت على قذف عائشة وبراءتها بينت المثل الذي أنزل إلينا وكونه من نوع أمثال من قبلنا واضح، لأن كلام من عائشة، ومريم، ويوسف رمى بما لا يليق، وكل منهم برأه الله، وقصة كل منهم عجيبة، ولذا أطلق عليها اسم المثل في قوله: ﴿وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾.
قال الزمخشري: ﴿وَمَوْعِظَةً﴾ ما وعظ به في الآيات والمثل من نحو قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢] ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور: ١٢]، ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور: ١٦]. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا. ا هـ كلام الزمخشري. والظاهر أن وجه خصوص الموعظة بالمتقين دون غيرهم أنهم هم المنتفعون بها.
ونظيره في القرآن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر: ١٨] وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: ٤٥] فخص الأنذار بمن ذكر في الآيات، لأنهم هم المنتفعون به مع أنه ﷺ في الحقيقة منذر لجميع الناس كما قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ [الفرقان: ١] ونظيره أيضا قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [قّ: ٤٥] ونحوها من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ قرأه نافع، وابن كثير، وأبو عرو، وشعبة بن عاصم: ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ بفتح الياء المثناة التحتية المشددة بصيغة اسم المفعول، وقرأه ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ بكسر الياء المشددة بصيغة اسم الفاعل: فعلى قراءة من قرأ بفتح الياء فلا إشكال في الآية، لأن الله بينها، وأوضحها، وعلى قراءة من قرأ ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ بكسر الياء بصيغة اسم الفاعل، ففي معنى الآية وجهان معروفا.
أحدهما : أن قوله: ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ اسم فاعل بين المتعدية وعليه فالمفعول محذوف أي مبينات الأحكام والحدود.
والثاني : أن قوله: ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ وصف من بين اللازمة، وهو صفة مشبهة، وعليه


الصفحة التالية
Icon