يبكيه فقال: يبكيه ضارع لخصومة الخ. وقراءة ابن عامر، وشعبة هنا كقراءة ابن كثير: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ﴾ بفتح الحاء مبنيا للمفعول فقوله: ﴿اللَّهُ﴾ فاعل يوحى المحذوفة، ووصفه تعالى لهؤلاء الرجال الذين يسبحون له بالغدو والآصال، بكونهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة على سبيل مدحهم، والثناء عليهم. يدل على أن تلك الصفات لا ينبغي التساهل فيها بحال، لأن ثناء الله على المتصف بها يدل على أن من أجل بها يستحق الذم الذي هو ضد الثناء، ويوضح ذلك أن الله نهى عن الإخلال بها نهيا جازما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩] وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩] الآية إلى غير ذلك من الآيات.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى: اعلم أنه على قراءة ابن عامر، وشعبة: ﴿يُسَبِّحُ﴾ بفتح الباء يحسن الوقف على قوله: بـ ﴿الْآصَالِ﴾، وأما على قراءة الجمهور يسبح بالكسر، فلا ينبغي الوقف على قوله: ﴿الْآصَالِ﴾، لأن فاعل ﴿يُسَبِّحُ﴾ ﴿رِجَالٌ﴾، والوقف دون الفاعل لا ينبغي كما لا يخفى.
المسألة الثانية: اعلم أن الضمير المؤنث في قوله: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا﴾ راجع إلى المساجد المعبر عنها بالبيوت في قوله: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ والتحقيق: أن البيوت المذكورة، هي المساجد.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن تخصيصه من يسبح له فيها بالرجال في قوله ﴿اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ﴾ يدل بمفهومه على أن النساء يسبحن له في بيوتهن لا في المساجد، وقد يظهر للناظر أن مفهوم قوله: ﴿رِجَالٌ﴾ مفهوم لقب، والتحقيق عند الأصوليين أنه لا يحتج به.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: لا شك أن مفهوم لفظ الرجال، مفهوم لقب بالنظر إلى مجرد لفظه، وأن مفهوم اللقب ليس بحجة على التحقيق، كما أوضحناه في غير هذا الموضع. ولكن مفهوم الرجال هنا معتبر، وليس مفهوم لقب على التحقيق، وذلك لأن


الصفحة التالية
Icon