تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: ١٩] الآية. وكقوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠] فالدوران والزيغوغة المذكوران يعلم بهما معنى تقلب الأبصار، وإن كانا مذكورين في الخوف من المكروه في الدنيا. قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾.
الظاهر أن اللام في قوله: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾، متعلقة بقوله: ﴿يُسَبِّحُ﴾ : أي يسبحون له، ويخافون يوما ليجزيهم الله أحسن ما عملوا. وقوله في هذه الآية الكريمة: ﴿وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾، الظاهر أن هذه الزيادة من فضله تعالى، هي مضاعفة الحسنات، كما دل عليه قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ [النساء: ٤٠]، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١].
وقال بعض أهل العلم: الزيادة هنا كالزيادة في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] والأصح: أن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وذلك هو أحد القولين في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [قّ: ٣٥].
وقد قدمنا قول بعض أهل العلم: أن قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ ونحوها من الآيات يدل على أن المباح حسن، لأن قوله: ﴿أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ صيغة تفضيل، وصيغة التفضيل المذكورة تدل على أن من أعمالهم حسنا لم يجزوه وهو المباح. قال في مراقي السعود:

ما ربنا لم ينه عنه حسن وغيره القبيح والمستهجن
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أعمال الكفار باطلة، وأنها لا شىء؛ لأنه قال في السراب الذي مثلها به: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾، وما دلت عليه هذه الآية


الصفحة التالية
Icon