المنسبك من قوله: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ يلزم أن يقال فيه عدم السجود إلا إذا اعتبرت لفطة لا زائدة، وقد أشرنا في سورة "الأعراف"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾، إلى أنّا أوضحنا الكلام على زيادة لا لتوكيد الكلام في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"، في أوّل سورة "البلد"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾، وسنذكر طرفًا من كلامنا فيه هنا.
فقد قلنا فيه: الأول وعليه الجمهور: أن لا هنا صلة على عادة العرب، فإنها ربما لفظت بلفظة لا من غير قصد معناها الأصلي بل لمجرّد تقوية الكلام وتوكيده؛ كقوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ﴾، يعني أن تتبّعني، وقوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾، أي: أن تسجد على أحد القولين. ويدلّ له قوله تعالى في سورة "ص؟" :﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، وقوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾، أي: فوربّك، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾، أي: والسيّئة، وقوله تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾، على أحد القولين. وقوله تعالى: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾، على أحد القولين. وقوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا﴾، على أحد الأقوال الماضية؛ وكقول أبي النجم:

فما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندر
يعني: أن تسخر، وقول الآخر:
وتلحينني في اللهو ألا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
يعني: أن أحبه، ولا زائدة. وقول الآخر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمفع الجود قاتله
يعني: أبا جوده البخل، ولا زائدة على خلاف في زيادتها في هذا البيت الأخير، ولا سيّما على رواية البخل بالجرّ؛ لأن لا عليها مضاف بمعنى لفظة لا، فليست زائدة على رواية الجرّ، وقول امرىء القيس:


الصفحة التالية
Icon