عنها وكقوله تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، أي: علمك اليوم بما كنت تنكره في الدنيا مما جاءتك به الرسل حديد، أي: قوي كامل.
وقد بيَّنا في كتابنا "دفع إبهام الاضطراب عن آيات الكتاب"، في سورة "الشورى"، في الجواب عمّا يتوهم من التعارض بين قوله تعالى: ﴿نْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، أن المراد بحدّة البصر في ذلك اليوم: كما العلم وقوّة المعرفة. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ﴾، فقوله: ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ أي: يوم القيامة، يوضح معنى قوله هنا: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾، وكقوله تعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً﴾، فعرضهم على ربهم صفًّا يتدارك به علمهم، لما كانوا ينكرونه، وقوله: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا﴾، صريح في أنهم في الدنيا كانوا في شكّ وعمى عن البعث والجزاء كما ترى، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن قوله: ﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾، فيه اثنتا عشرة قراءة اثنتان منها فقط سبعيّتان، فقد قرأه عامّة السبعة، غير ابن كثير وأبي عمرو: ﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾ بكسر اللام من ﴿بَلِ﴾ وتشديد الدال بعدها ألف والألف التي قبل الدال همزة وصل، وأصله: تدارك بوزن: تفاعل، وقد قدّمنا وجه الإدغام، واستجلاب همزة الوصل في تفاعل وتفعل وأمثلة ذلك في القرءان، وبعض شواهده العربية في سورة "طه"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو: ﴿بَلْ أدْرََكَ﴾ بسكون اللام من ﴿بَلْ﴾، وهمزة قطع مفتوحة، مع سكون الدال على وزن: أفعل.
والمعنى على قراءة الجمهور: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ﴾، أي: تدارك بمعنى تكامل؛ كقوله: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً﴾، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو: ﴿بَلْ أدْرََكَ﴾.
قال البغوي: "أي: بلغ ولحق، كما يقال: أدرك علمي إذا لحقه وبلغه، والإضراب في قوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾، ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾، ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾، إضراب انتقالي، والظاهر أن من في قوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾، بمعنى: عن،


الصفحة التالية
Icon