فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً﴾، أي: كافرًا فأحييناه، أي: بالإيمان والهدى، وهذا لا نزاع فيه، وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر بلا خلاف؛ وكقوله: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، وكقوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ﴾، أي: لا يستوي المؤمنون والكافرون.
ومن أوضح الأدلّة على هذا المعنى، أن قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ الآية، وما في معناها من الآيات كلّها، تسلية له صلى الله عليه وسلم، لأنه يحزنه عدم إيمانهم، كما بيّنه تعالى في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾، وقوله: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾، وكقوله تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾، وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، إلى غير ذلك من الآيات، كما تقدّم إيضاحه. ولما كان يحزنه كفرهم وعدم إيمانهم، أنزل اللَّه آيات كثيرة تسلية له ﷺ بيّن له فيها أنه لا قدرة له ﷺ على هدي من أضلّه اللَّه، فإن الهدى والإضلال بيده جلَّ وعلا وحده، وأوضح له أنه نذير، وقد أتى بما عليه فأنذرهم على أَكمل الوجوه وأبلغها، وأن هداهم وإضلالهم بيد من خلقهم.
ومن الآيات النازلة تسلية له صلى الله عليه وسلم، قوله هنا: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾، أي: لا تسمع من أضلّه اللَّه إسماع هدى وقبول، ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا﴾، يعني: ما تسمع إسماع هدى وقبول، إلاّ من هديناهم للإيمان بآياتنا ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
والآيات الدالَّة على هذا المعنى كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، وقوله تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾، إلى غير


الصفحة التالية
Icon