لما أقول منهم"، وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظًا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة؛ لكونها لم تشهد القصّة"، انتهى منه. واحتمال رجوعها لما ذكر قوي، لأن ما يقتضي رجوعها ثبت بإسنادين.
قال ابن حجر: "إن أحدهما جيّد، والآخر حسن. ثم قال ابن حجر: قال الإسمعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم، ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى ردّ رواية الثقة إلا بنصّ مثله يدلّ على نسخه أو تخصيصه، أو استحالته"، انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر.
وقال ابن القيّم في أوّل "كتاب الروح" :"المسألة الأولى: وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟ قال ابن عبد البرّ: ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: "ما من مسلم يمرّ على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه، إلاّ ردّ اللَّه عليه روحه حتى يردّ عليه السّلام"، فهذا نصّ في أنه يعرفه بعينه، ويردّ عليه السلام.
وفي الصحيحين عنه ﷺ من وجوه متعدّدة: أنه أمر بقتلى بدر فألقوا في قليب، ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: "يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا، فإني وجدت ما وعدني ربّي حقًّا"، فقال له عمر: يا رسول اللَّه ما تخاطب من أقوام قد جيفوا، فقال: "والذي بعثني بالحق، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنّهم لا يستطيعون جوابًا"، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن الميّت يسمع قرع نعال المشيّعين له إذا انصرفوا عنه، وقد شرّع النبيّ ﷺ لأُمّته إذا سلّموا على أهل القبور، أن يسلّموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين"، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم أن الميّت يعرف زيارة الحي له، ويستبشر له، قال أبو بكر عبد اللَّه بن محمّد بن عبيد بن أبي الدنيا في "كتاب القبور" :

باب في معرفة الموتى بزيارة الأحياء


حدّثنا محمّد بن عون، حدّثنا يحيبن يمان، عن عبد اللَّه بن سمعان، عن زيد بن أسلم، عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلاّ استأنس به وردّ عليه، حتى يقوم". حدّثنا محمّد بن قدامة الجوهري، حدّثنا معن بن عيسى القزاز، أخبرنا هشام بن سعد، حدّثنا زيد بن أسلم، عن أبي هريرة


الصفحة التالية
Icon