علم صحة ذلك بالقرائن، وكان في الوصية التي نفذها عوف إعطاء عشرة دنانير ليهودي من تركة الصعب كانت دينًا له عليه، ومات قبل قضائها.
قال ابن القيّم: "وهذا من فقه عوف بن مالك رضي اللَّه عنه، وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة بعد موته، وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها، من أن الدنانير عشرة وهي في القرن، ثم سأل اليهودي فطابق قوله ما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر، فأعطى اليهودي الدنانير، وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم، وهم أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولعلّ أكثر المتأخرين ينكر ذلك، ويقول: كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعبة، وهي لأيتامه وورثته إلى يهودي بمنام. ثم ذكر ابن القيم تنفيذ خالد وأبي بكر الصديق رضي اللَّه عنهما، وصية ثابت بن قيس بن شماس رضي اللَّه عنه بعد موته، وفي وصيّته المذكورة قضاء دين عينه لرجل في المنام، وعتق بعض رقيقه، وقد وصف للرجل الذي رآه في منامه الموضع الذي جعل فيه درعه الرجل الذي سرقها، فوجدوا الأمر كما قال، وقصّته مشهورة.
وإذا كانت وصية الميّت بعد موته قد نفذها في بعض الصور أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يدلّ على أنه يدرك ويعقل ويسمع، ثم قال ابن القيم في خاتمه كلامه الطويل: والمقصود جواب السائل وأن الميّت إذا عرف مثل هذه الجزئيات وتفاصيلها، فمعرفته بزيارة الحي له وسلامه عليه ودعائه له أولى وأحرى"، اهـ.
فكلام ابن القيم هذا الطويل الذي ذكرنا بعضه جملة وبعضه تفصيلاً، فيه من الأدلّة المقنعة ما يكفي في الدلالة على سماع الأموات، وكذلك الكلام الذي نقلنا عن شيخه أبي العباس بن تيمية، وفي كلامهما الذي نقلنا عنهما أحاديث صحيحة، وآثار كثيرة، ومرائي متواترة وغير ذلك، ومعلوم أن ما ذكرنا في كلام ابن القيّم من تلقين الميّت بعد الدفن، أنكره بعض أهل العلم، وقال: إنه بدعة، وأنه لا دليل عليه، ونقل ذلك عن الإمام أحمد وأنه لم يعمل به إلاّ أهل الشام، وقد رأيت ابن القيم استدلّ له بأدلّة، منها: أن الإمام أحمد رحمه اللَّه سئل عنه فاستحسنه. واحتجّ عليه بالعمل. ومنها: أن عمل المسلمين اتّصل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار. ومنها: أن الميّت يسمع قرع نعال الدافنين إذا ولّوا مدبرين، واستدلاله بهذا الحديث الصحيح استدلال قوي جدًّا؛ لأنه إذا كان في ذلك الوقت يسمع قرع النعال، فلأن يسمع الكلام الواضح بالتلقين من أصحاب النعال أولى


الصفحة التالية
Icon