أمّا الأول منهما: وهو وجود القرينة الدالَّة على عدم صحته، فهو أن قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ﴾ معطوف على قوله: ﴿فَفَزِعَ﴾، وذلك المعطوف عليه مرتّب بالفاء على قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾، أي: ويوم ينفخ في الصور، فيفزع من في السماواتوترى الجبال، فدلّت هذه القرينة القرءانية الواضحة على أن مرّ الجبال مرّ السحاب كائن يوم ينفخ في الصور، لا الآن.
وأمّا الثاني: وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرءان فواضح؛ لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلّها في يوم القيامة؛ كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ﴾.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، جاء نحوه في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾، وتسيير الجبال وإيجادها ونصبها قبل تسييرها، كل ذلك صنع متقن.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾، قد قدّمنا الآيات التي بمعناه في أوّل سورة "هود"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾، إلى قوله: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾.
اعلم: أن الحسنة في هذه الآية الكريمة، تشمل نوعين من الحسنات:
الأول: حسنة هي فعل خير من أفعال العبد، كالإنفاق في سبيل اللَّه، وبذل النفس والمال في إعلاء كلمة اللَّه، ونحو ذلك، ومعنى قوله تعالى: ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾، بالنسبة إلى هذا النوع من الحسنات، أن الثواب مضاعف، فهو خير من نفس العمل؛ لأن من أنفق درهمًا واحدًا في سبيل اللَّه فأعطاه اللَّه ثواب هو سبعمائة درهم فله عند اللَّه ثواب هو سبعمائة درهم مثلاً، خير من الحسنة التي قدمها التي هي إنفاق درهم واحد، وهذا لا إشكال فيه كما ترى.


الصفحة التالية
Icon