قد بيَّن تعالى الضعف الأول الذي خلقهم منه في آيات من كتابه، وبيَّن الضعف الأخير في آيات أُخر؛ قال في الأَوّل: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾، وقال: ﴿خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾، وقال: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾، وقال: ﴿كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾، إلى غير ذلك من الآيات.
وقال في الضعف الثاني: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾، وقال: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾، إلى غير ذلك من الآيات. وأشار إلى القوة بين الضعفين في آيات من كتابه؛ كقوله: ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾، وإطلاقه نفس الضعف، على ما خلق الإنسان منه، قد أوضحنا وجهه في سورة "الأنبياء"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾. وقرأ عاصم وحمزة: ﴿مّن ضَعْفٍ﴾ في المواضع الثلاثة المخفوضين والمنصوب بفتح الضاد في جميعها، وقرأ الباقون بالضمّ.
واختار حفص القراءة بالضم وفاقًا للجمهور؛ للحديث الوارد عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، من طريق عطية العوفي -أنه أعني ابن عمر- قرأ عليه صلى الله عليه وسلم: ﴿مّن ضَعْفٍ﴾ بفتح الضاد، فردّ عليه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقرأها بضم الضاد، والحديث رواه أبو داود والترمذي وحسّنه، ورواه غيرهما، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة "يونس"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾، وفي غير ذلك.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا بعثوا يوم القيامة، وأقسموا أنهم ما لبثوا غير ساعة يقول لهم الذين أُوتوا العلم والإيمان، ويدخل فيهم الملائكة، والرسل،