لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً}، وفي سورة "يونس"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ الآية (٠١/٦٩)، وفي غير ذلك.
قوله تعالى: ﴿وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾.
قد قدمنا في سورة "بني إسرائيل"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً﴾، أن اللَّه تعالى قد بيَّن في بعض الآيات القرءانية أنه يخاطب النبيّ ﷺ بخطاب لا يريد به نفس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنما يريد به التشريع.
وبيَّنا أن من أصرح الآيات في ذلك قوله تعالى مخاطبًا له صلى الله عليه وسلم: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾، ومعلوم أن والديه قد ماتا قبل نزول: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا﴾، بزمن طويل، فلا وجه البتّة لاشتراط بلوغهما، أو بلوغ أحدهما الكبر عنده، بل المراد تشريع برّ الوالدين لأُمّته، بخطابه صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن قول من يقول: إن الخطاب في قوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا﴾، لمن يصح خطابه من المكلّفين، وأنه كقول طرفة بن العبد:
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلاً
خلاف الصواب.
والدليل على ذلك قوله بعد ذكر المعطوفات، على قوله: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾، ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾، ومعلوم أن قوله: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ﴾ خطاب له صلى الله عليه وسلم، كما ترى. وذكرنا بعض الشواهد العربية على خطاب الإنسان، مع أن المراد بالخطاب في الحقيقة غيره.
وبهذا تعلم أن مثل قوله تعالى: ﴿وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾، وقوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾، وقوله: ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾، وقوله: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾، يراد به التشريع لأُمّته؛


الصفحة التالية
Icon